{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} (الإسراء)!
وقد نصّ على القصد الأول من إيتاء موسى الكتاب:
{هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣)}!
ولقد خاطبهم باسم آبائهم الذين حملهم مع نوح، وهم خلاصة البشريَّة على عهد نوح عليه السلام .. ليذكرهم بهذا النسب، واستخلاص آبائهم الأوّلين .. مع نوح العبد الشكور، وليردّهم إلى هذا النسب المؤمن العريق!
ووصف نوحاً بالعبوديّة لهذا المعنى ولمعنى آخر، هو تنسيق صفة الرسل المختارة وإبرازها .. وقد وصف بها محمداً - صلى الله عليه وسلم - من قبل، على طريقة التناسق القرآنية في جو السورة وسياقها!
ومعلوم أن الذين تترهّل نفوسهم وتأسن، وترتع في الفسق والمجانة، وتستهتر بالقيم، والمقدسات والكرامات، وتلغ في الأعراض والحرمات .. إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم عاثوا في الأرض فساداً، ونشروا الفاحشة وأشاعوها، وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب الراقية إلا بها ولها!
ومن ثمَّ تتحلّل الأمّة وتسترخي، وتفقد حيويتها، وعناصر قوّتها، وأسباب بقائها، فتهلك وتطوى صفحتها!
وإذا ما قدّر الله لقرية أنها هالكة؛ لأنها أخذت بأسباب الهلاك، فكثر فيها المترفون، فلم تضرب على أيديهم، سلّط الله هؤلاء المترفين ففسقوا فيها، فعم فيها الفسق، فتحلّلت وترهّلت، فحقّت عليها سنّة الله، وأصابها الهلاك والدمار، ونزل الضياع والبوار!