هولاً، وأفظع من همجيّة العهد القديم لأنها كانت أشبه بجثة حضارة كبيرة قد تعفنت، وقد انطمست معالم هذه الحضارة، وقُضي عليها بالزوال، وقد كانت الأقطار الكبيرة التي ازدهرت فيها هذه الحضارة وبلغت أوجها في الماضي، كإيطاليا، وفرنسا، فريسة الدمار والفوضى والخراب) (١)!
١٠ - ظلام مطبق وليل دامس
كان عالماً متداعياً قد شارف النهاية (٢)، خلاصة ما يقال فيه: إنه عالم فقد العقيدة كما فقد النظام، فقد أسباب الطمأنينة في الباطن والظاهر!
طمأنينة الباطن قد تنشأ من الركون إلى قوة في الغيب، تبسط العدل، وتحمي الضعيف، وتجزي الظلم، وتختار الأصلح الأكمل من جميع الأمور!
وطمأنينة الظاهر التي تنشأ من الركون إلى دولة تقضي بالشريعة، وتفصل بين البغاة والأبرياء، وتحرس الطريق، وتخيف المبطلين!
بيزنطة قد خرجت من الدين إلى الجدل العقيم الذي أصبح بعد ذلك علماً عليها، وتضاءلت سطوتها في البر والبحر، حتى طمع فيها من كان يحتمي بجوارها!
وفارس قد سخر فيها المجوس من دين المجوس، وكمنت حول عرشها كوامن الغيلة، وبواعث الفتن، ونوازع الشهوات!
والحبشة ضائعة بين الأوثان المستعارة من الماديّة تارة، ومن الهمجيّة تارة، وبين ما هو ضرب من عبادة الأوثان، ثم هي بعد هذا التشويه ليست بذات
(١) The Making of Humanity, P. ١٦٤
(٢) عبقرية محمد: العقاد: ١٢ بتصرف، دار الشعب.