وهم يعلمون عن يقين، إنما هي لهجة العتاب والتذكير!
وكانت النهاية أنهم زاغوا بعد ما بذلت لهم كل أسباب الاستقامة!
{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}!
وبهذا انتهت قوامتهم على دين الله، فلم يعودوا يصلحون لهذا الأمر، وهم على هذا الزيغ والضلال!
ثم جاء عيسى ابن مريم .. جاء ليقول لبني إسرائيل:
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}!
في هذه الصيغة التي تصور حلقات الرسالة المترابطة يسلم بعضها إلى بعض .. وهي متماسكة في حقيقتها، واحدة في اتجاهها، ممتدة من السماء إلى الأرض، حلقة بعد حلقة في السلسلة الطويلة المتصلة، وهي الصورة اللائقة بمنهج الحق، فهو منهج واحد في أصله، متعدد في صوره .. وفق استعداد البشريّة وحاجاتها وطاقاتها .. ووفق تجاربها ورصيدها من المعرفة، حتى تبلغ مرحلة الرشد العقلي والشعوري، فتجيء الحلقة الأخيرة في الصورة الأخيرة كاملة شاملة، تخاطب العقل الراشد، في ضوء تلك التجارب، وتطلق هذا العقل يعمل في حدوده، داخل نطاق المنهج المرسوم للإنسان في جملته، المتفق مع طاقاته واستعداداته:
وتطالعنا البشارة: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}!
يروي الشيخان وغيرهما عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي