يقول ابن القيم - رحمه الله (١) - عند تفسير قول الله تعالى:
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} القصص: ٦٨!
ومن هذا اختياره سبحانه وتعالى من الأماكن والبلاد خيرها وأشرفها، وهي البلد الحرام، فإنه سبحانه وتعالى اختاره لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -، وجعله مناسك لعباده، وأوجب عليهم الإتيان إليه، من القرب والبعد، من كل فج عميق، فلا يدخلونه إلا متواضعين متخشعين متذللين، كاشفي رؤوسهم، متجردين من لباس أهل الدنيا!
وأقسم به في كتابه العزيز في موضعين منه، فقال تعالى: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)} التين!
وقال جل شأنه: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١)} البلد!
وليس على وجه الأرض بقعة يجب على كل قادر السعي إليها، والطواف بالبيت الذي فيها غيرها, وليس على وجه الأرض موضع يشرع تقبيله واستلامه، وتحط الخطايا والأوزار فيه، غير الحجر الأسود، والركن اليماني!
يروي أحمد وغيره بسند صحيح عن عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكة يقول: "والله! إِنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إِلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت" (٢)!
(١) زاد المعاد: ١: ٤٦ وما بعدها بتصرف.
(٢) أحمد: ٤: ٣٠٥، وابن عبد البر: التمهيد: ٢: ٢٨٨، والاستذكار: ٢٦: ١٥ - ١٦، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتاريخ: ١: ٢٤٤، والبيهقي: الدلائل: ٢: ٥١٧ - ٥١٨، والترمذي (٣٩٢٥)، وابن ماجه (٣١٠٨)، والحاكم: ٣: ٧، ٤٣١، وابن حبان (٣٧٠٨).