جود وسماحة، وحسن تأت، إذا وُجدت القيادة الحكيمة، فإن العربي أنف إلا إذا رأى القائد الحكيم الذي يقوده، ولعل أحسن تصوير للنفس العربيّة ما قاله أمير المؤمنين عمر الفاروق عندما تولى الإمارة، فقد قال - رضي الله عنه -:
مثل العرب كمثل جمل أنف، فليعلم قائده أين يقوده!
وبذلك يلتقي في العرب عناصر ثلاثة تجعلهم في أهلية الاختيار لموطن الرسالة في المكان اللائق، وفي المقدمة:
العنصر الأول: قوة في النفس تقاوم، ولا تستسلم، واعتبر ذلك في أتباع المسيح الذين لم يغيّروا ولم يبدّلوا, ولَما حاول تبّع أن يغيرهم ووضعهم في الأخدود، ما نال مأرباً، ولا وصل إلى مبتغى!
العنصر الثاني: صفاء نفسي، وقوةُ مدارك، احتفظوا بها حتى في جاهليتهم، وصدق النفس، والصدق في القول، والعمل الذي يُوَجَّهون إليه!
العنصر الثالث: الأنفة، وألا يطيعوا في ذلة، بل يتبعون في هداية ورشد مختارين، غير مجبرين، ولقد جاءت بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم، فبدت هذه السجايا، وشقت طريق النور في وسط الظلمات!
٤ - صفات العرب
ورابع ما يطالعنا: صفات العرب، الذين اختارهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- ليتلقوا هذه الدعوة أولاً (١)، ثم يبلغوها إلى الناس؛ لأن ألواح قلوبهم كانت صافية، لم تكتب عليها كتابات دقيقة عميقة، يصعب محوها وإزالتها، شأن الروم،
(١) السيرة النبويّة: الندوي: ٤٤ وما بعدها بتصرف.