فهل تجدون شهادة أعظم من هذه الشهادة؟
إن الموقف حرج، وإن السائل ملك ذو شوكة وقوّة، يسأل رجلاً ملأ الضِّغن صدره عن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فَلا يقول فيه إلا الصدق والحق!
وإن هرقل لم يستطع أن يقف حيال هذه الشهادة صامتاً فقال ما قال!
وأي شهادة أصدق من هذه الشهادة!
إن تاريخ الرسل عليهم صلوات الله وتسليماته لم يسجّل مثل هذه الشهادة عن غير محمد خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم -!
ثم إن الذين آمنوا كانوا من أمّة عريقة في الحرية، ذات عقول ناضجة وفطنة، ولهم حماسة وحميّة، لم تَلن قناتهم لحكومة قاهرة، ولا ذلّلت أنَفَتهم دولة قويّة منذ فجر التاريخ, وكَانت لهم تجارة واسعة النطاق، تصدر فيها وترد سلعهم وأمتعتهم بين بلاد وبلاد، وكانت مملكة فارس، وبلاد الشام، ومصر، وآسيا الصغرى، مضربهم ومورد تجارتهم، ولاحتكاكهم بالأمم المتمدنة، ولقائهم الرجال من مختلف الأمم، تفتّقت آراؤهم، واتسعت عقولهم، وازدادت تجاربهم، يدل على ذلك ما أثر عنهم من الأحكام، وما وصل إلينا من صفحات التاريخ من الأخبار، وكان من هؤلاء مَن قاد الجيوش وانتصر بها، فعدّ من أعظم الفاتحين!
وكان منهم من ساس البلاد، وحكم الناس، فأحسن الإحسان كله في سياسته وحكمه، حتى عُدَّ من أعدل الولاة، وأحكم الحكّام سياسة وتدبيراً!
وهل يسوغ في منطق العقل أن من أوتي مثل هذا العقل الراجح، والمواهب العظيمة، والرأي الحصيف، يخفى عليه شيء من أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو ينخدع به؟