{الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)} (الروم).
وهي نبوة لا يقدر عليها إلا العلم القدير الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي!
ولم يكن شيء أغرب خيالاً، وأبعد منالاً، من هذه النبوة التي أعلنها القرآن عند فرح قريش المشركين بانتصار المجوس المشركين على أهل الكتاب المسيحيّن، وشماتتهم بهزيمة الروم المنكرة، فقال: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ}!
والبضع هو ما دون العشر، واستبعدته قريش كل الاستبعاد، حتى قامروا على ذلك استبعاداً له، يقول المؤرخ الإنكليزي (جبون):
(إن محمداً تَنبَّأ حين بلغت فتوح الإيرانيّين أوجها وقمتها، أن الرايات الروميّة سترتفع بالفتح والانتصار في بضع سنين، ولم يكن شيء أبعد عن القياس من هذه النبوة التي أعلنها محمد؛ لأن السنين الاثنتي عشرة الأولى من حكم هرقل كانت تعلن بتمزق الإمبراطوريّة الرومانيّة، ونهايتها القريبة) (١)!
ولكن تحققت هذه النبوة بشكل غريب خارق للعادة، وذلك في سنة ٦٢٥ م -العام الثاني من الهجرة النبويّة عند غزوة بدر- يقول (جبون):
(١) انظر. تاريخ انحطاط روما وسقوطها: ٣: ٣٠٢ - ٣٠٣ ط. ١٨٩٠ م.