ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإِمام أحمد، ولفظه من طريق داود ابن أبي هند عن الشعبي: أنزلت عليه النبوة، وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إِسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل عليه القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل، فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة!
وأخرجه ابن أبي خيثمة من وجه آخر مختصراً عن داود بلفظ: بعث لأربعين، ووكل به إِسرافيل ثلاث سنين، ثم وكل به جبريل!
فعلى هذا فيحسن -بهذا المرسل إن ثبت- الجمع بين القولين في قدر إقامته بمكة بعد البعثة، فقد قيل ثلاث عشرة، وقيل عشر، ولا يتعلق ذلك بقدر مدة الفترة!
وقد حكى ابن التين هذه القصة، لكن وقع عنده ميكائيل بدل إسرافيل!
وأنكر الواقدي هذه الرواية المرسلة، وقال: لم يقترن به من الملائكة إلا جبريل!
ولا يخفى ما فيه، فإن المثبت مقدم على النافي، إلا أن صحب النافي دليل نفيه فيقدم!
وأخذ السهيلي هذه الرواية، فجمع بها المختلف في مكثه - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فإنه قال (١): جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفترة سنتان ونصف، وفي رواية أخرى أن مدة الرؤيا ستة أشهر، فمن قال مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة، ومن قال ثلاث عشرة أضافهما!
(١) انظر: الروض الأنف: ١: ٢٨١.