وكذا لو سمع قائلاً يقول: (خلت الديار) لم يتحقق أنه ينشد شعراً حتى يقول: (محلها ومقامها) انتهى ملخصاً!
ثم أشار إلى أن الحكمة في ذكره - صلى الله عليه وسلم - ما اتفق له في هذه القصة أن يكون سبباً في انتشار خبره في بطانته، ومن يستمع لقوله، ويصغي إليه، وطريقاً في معرفتهم مباينة من سواه في أحواله، لينبهوا على محله!
قال: وأما إرادته إلقاء نفسه من رؤوس الجبال بعد ما نبّئ فلضعف قوته عن تحمل ما حمله من أعباء النبوة، وخوفاً مما يحصل له من القيام بها من مباينة الخلق جميعاً، كما يطلب الرجل الراحة من غم يناله في العاجل بما يكون فيه زواله عنه، ولو أفضى إلى إهلاك نفسه عاجلاً، حتى إذا تفكر فيما فيه صبره على ذلك من العقبى المحمودة صبر واستقرت نفسه!
والناظر في هذا الكلام، وتصويره لطعن الطاعنين الذي سماه الحافظ الإسماعيلي تمويهاً على المحدّثين، يرى بشيء من التأمل المحكم المنصف أن هذا الكلام مردود على قائله!
وسبق أن عرفنا الرد على تخرصات تفسير (الخشية)، وبيان ما يقبل منها!
ترى، هل كان كلام ورقة -كما عرفنا- أعظم أثراً في إيجاد الإيقان، وتحصيله للرسول - صلى الله عليه وسلم -، واعترافه بالحق، من وحي النبوة بالرؤيا الصالحة الصادقة، وما صحبها وتتابع بعدها .. ومراتب الوحي، ونزول القرآن؟!
ثم إن هذا التصوير يقتضي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حزن لفتور الوحي حزناً ملأه يأساً كظيماً مغلقاً (١)، دفعه إلى أن يغدو مراراً إلى رؤوس شواهق الجبال، لكي
(١) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ١: ٤٢١ وما بعدها بتصرف.