يراد بها استبانة ما يقرؤه، والمعنى أيّ شيء أقرأ؟ كما يوضحه مجيء العبارة بصيغة الاستفهام الصريح، استخبارًا عما يريد منه أن يقرأه في مرسل ابن عمير: "ماذا أقرأ"؟!
و (ما) في المرّة الثالثة: "ما أنا بقارئ" استفهاميّة
بمعنى كيف، فهي استخبار عن الحالة التي يكون بها النبي -صلى الله عليه وسلم- قارئًا، وفي مرسل الزهري في دلائل البيهقي: "كيف أقرأ"؟! (١)
لأنّ تحقيق القراءة منه بعيد جدًا عن حالته التي وُلد عليها، ونشأ بها!
وجاء الرد بالآيات استجابة لطلب القراءة المطلق:
كن قارئًا إعجازًا، وحقّق القراءة، وأنت على أميّتك، مستعينًا باسم ربّك الذي ربّاك، وأعدّك لرسالتك الخالدة، وليست قراءتك المطلوبة منك أن تقرأ كما يقرأ غيرك تعلّمًا، وإنما أن تقرأ كما يعلّمك الله بعلمه الذي ربّاك في أحضان كرمه، وهو -جلَّ جلاله- كما علّم الإنسان بقلم البيان تعلّمًا سيعلّمك بقلم الفضل والإحسان، لتكون معلّم الدنيا برسالتك الخاتمة لرسالات السماء!
وكان هذا أوّل لقاء يقظي بوحي قرآني بين خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم - والروح الأمين جبريل -عليه السلام- وهو لقاء محجّب بستور الغيب!
٣ - كمال البشريّة وميلاد الرسالة:
وقد كان كمال بشريّة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ممهدًا لميلاد رسالته .. ذلك أن طبيعة بشريّته التي وُلد بها ميلادًا بشريًّا، ونشأ عليها نشأة إنسانيّة -كما أسلفنا- هي
(١) انظر: فتح الباري: ١: ٢٤.