وهذا لا يعني فقط أن هذا المسَمّى جامعٌ للسور والآيات، أو أنه مجموع تلك السور والآيات، من حيثُ هو نصوص مؤلفة على صفحات القلوب، أو من حيث هي نقوش مصفوفةٌ في الصحف والألواح، أو من حيث هي أصواتٌ مرتَلةٌ منطوقةٌ على الألسنة، بل يعني شيئًا أدق من ذلك كله، وهو أن هذا الكلامَ قد جمع فنون المعاني والحقائق، وأنه قد حُشدت فيه كتائبُ الحكم والأحكام!
ومن أسمائه كذلك: (الفرقان)، و (الذّكْر)، و (التنزيل)!
وقد تجاوز صاحب البرهان حدود التسمية فبلغ بعدّ تها خمسةً وخمسين، وأسرف غيره في ذلك حتى بلغ بها نيفًا وتسعين (١)!
واعتمد هذا وذاك على إطلاقات واردة في كثير من الآيات والسور، وفاتهما أن يفرقا بين ما جاء من تلك الألفاظ على أنه اسم، وما ورد على أنه وصف، ويتضح ذلك على سبيل التمثيل، في عدِّهما من الأسماء لفظ (كريم) ولفظ (مبارَك) أخذًا من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧)} (الواقعة)!
{وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} (الأنبياء)!
ولا شك أنهما وصفان .. ولقد أفرده بعضهم بالتأليف!
وعرَّفه علماء الشريعة فقالوا:
(القرآن هو كلام الله تعالى، المنزل على محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، المتعبَّد بتلاوته)!
وبعضهم يزيد على هذا التعريف قيودًا أخرى، مثل المتواتر، أو المعجز، أو المتحدَّى بأقصر سورة منه، أو المكتوب بين دفتي المصحف، أو المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس!
(١) مناهل العرفان: ١: ١٥ بتصرف.