لقد كفينا آنفاً من مرض الإمساك والتقتير .. ألسنا بهذا العلاج نسلط عليه جراثيم من فصيلة الإسراف والتقتير؟!
كلا، إن القرآن الحكيم لم يدع هذه النزعة الجديدة تنطلق انطلاقها، وتجاوز مداها .. لقد وضع أمامها سدوداً وحواجز تقف بها دون طرفها الأقصى، كما وضع أمام النزعة الأولى سدوداً وحواجز تقف بها دون طرفها الأدنى، فكما قال: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ}!
قال عقبها في نفس الآية: {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (الإسراء: ٢٩)!
ومن صفات عباد الرحمن نقرأ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧)} (الفرقان)!
هما إذن طرفان ذميمان، خيرهما شر، وموردان يفيضان، أحلاهما مر .. بلى على التعيين والتحديد!
إن هذا المرض أفحش ضرراً وأعظم خطراً، وإن اشتركا في أصل الضرر والخطر .. فالممسك والمسرف كلاهما يضع المال في غير موضعه .. غير أن الممسك يضعه في مكان عزيز حريز فما يدرينا؟ لعل الله يقيض لهذا المال بعد ذلك، من يثيره في مكمنه، ويوجّهه الوجهة السديدة التي يرضاها الخُلق والدين!
أما المسرف فإنه حين وضعه في غير موضعه وضعه في مضيعة، لقد بعثره وبدّده واستهلكه وأهلكه، فلا سبيل إلى إعادته وتصحيح وجهته!
الممسك يفوّت مصلحة المال إلى أمد، والمسرف يفوّتها إلى الأبد!