فطرة الله التي فطر الناس عليها، فلا سبيل إلى تبديلها، بل ولا خير في تبديلها؛ إذ لو انقلب حبّ المال مقتاً له وازدراءً، وأصبحت قيمته في نظر الناس هباءً فأيّ جهد يحمد للمرء في بذله، وأيّ فضل له في التضحية؟!
من الخير إذن أن يبقى فينا شيء من حبّ المال -وسيبقى لا محالة- قويًّا أو ضعيفاً أو مناوبةً بين القوّة والضعف!
ومن هنا نعرف السرّ في أن القرآن الحكيم لم يقتصر على هذا العلاج النفسي المزدوج، ولم ينتظر أن يبلغ به غايته القصوى، ولا أن يصل بحبّ المال فينا إلى حدّه الأدنى، بل أخذ يمدّنا بعلاج ثالث عملي، نزوّد به عزائمنا!
ذلك هو أن نُدرّب أنفسنا على بذل المال وإنفاقه مراغمةً ومقاومةً، مراغمةً لأهوائنا، ومقاومة لرغائبنا، حتى يصبح التزهّد زهداً، والتسخّي سخاءً، والتكرّم كرماً، والتطبّع طبعاً!
أليس أفضل الصدقة صدقة الصحيح والشحيح، الذي يخشى الفقر، ويأمل الغنى؟!
أليس البر هو إيتاء المال على حبّه؟!
أو ليس الأبرار هم الذين قال الله فيهم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)} (الإنسان)!
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)} (الحشر)!