هكذا وضع القرآن الكريم لنا أسلوب السعي والعمل، لا متوانياً متراخياً، ولا مجهوداً مكدوداً، ولكن أسلوب الجد القاصد الراشد، في تنظيم جهودنا البدنيّة، يكمله توجيه أعمق منه في تنظيم حالاتنا النفسيّة!
اختيار الكسب الصالح
وما أعظم النعمة علينا بهذا القرآن الحكيم!! .. إنه قائدنا ما أحكم قيادته!! وهاد ما أكمل هدايته!!: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء: ٩)!
تلك القيادة المثلى لا تخص طائفةً من الناس دون طائفة، ولا شأناً من الحياة دون شأن، ولكنها هداية سابقة شاملة، والمؤمن يشعر بها وهي تلاحقه في كل خطوة، وتضيء له الطريق حيثما توجّه، حين يقدّر ويفكر، وحين يهم ويعزم، وحين يقضي ويحكم، وحين يكدح ويعمل، وحين يفرح أو يحزن، وحين يخاف أو يأمن, وصدق الله العظيم: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)} (النحل)!
لكل شيء، لأدب الدّين والدنيا, ولخير الآخرة والأولى!
وقبل أن يتوجّه المرء لالتماس رزقه ينادي القرآن الحكيم: {لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠)} (المائدة)!
وكانت تلك هي الوصيّة الأولى من وصايا الكسب، وهي طهارة اليد من السحت!
فإذا وضع المرء قدمه في طريق الكسب الحلال، وقبل أن يمضي فيه، وجد