إنها -مع مثاليّتها- عمليّة واقعيّة، لا تحمل النفوس على ضدّ طباعها, ولا تكلّف نفساً إلا وسعها!
وما الوصيّة التي نحن بسبيلها إلا واحدة من تلك الوصايا الحكيمة الجامعة بين المثاليّة والواقعيّة!
إنها لا تحظر البغض كله، ولا تحرّمه جملة؛ إنها تحظر عليك أن تبغض أخاك لمجرّد هواك، لغير ذنب جناه، ولكن حنقاً ونفاسة عليه، وإنها تحرّم عليك أن تكره الخير لأخيك، طالما أنه لم يستعن بهذا الخير على شيء يغضب ربّك أو يؤذيك!
ولكنها لا تمنع أحداً من أن يبغض الإثم وأهله، وأن يمقت البغي وشقيقه الظلم!
أما علمت أن من علامة الإيمان الحبّ في الله، والبغض في الله، والرضا في الله، والسخط في الله؟ قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (المجادلة: ٢٢)!
نعم، إن دعوة القرآن الحكيم -في جوهرها- دعوة حبّ ووئام، ولكنها في الوقت نفسه دعوة عدل ونظام!
إنها تغضب للحرمات المنهوكة، والدماء المسفوكة، وللحقوق والأمانات المضيّعة، وهي بذلك تطالبنا أن نردّ الحق إلى صاحبه، وعلينا أن نأخذ الجاني بذنبه: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} (الشورى: ٤١)!
على أننا لو تأمّلنا في نظرة الإسلام إلى عقوبة الباغي وجدناه لا يرى فيها