وهم قبل ذلك أهله الذين يودّلهم الخير، ويكره لهم الوقوع في مساخط الله!
وكانت هذه الصيحة غاية البلاغ، فقد فاصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - قومه على دعوته!
وكان هذا الطريق الحكيم المحكم هو الاتجاه بالدعوة في علانيتها والجهر بها إلى عشيرة النبي الأقربين!
وهنا يطالعنا مرّة من بعد مرّة قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧)} (الشعراء)!
ونبصر التوجيه بالدعوة إلى الأقربين، وإنذارهم بطش الله وتخويفهم بأسه ونقمته إذا لم يستجيبوا إلى هدى الله والإيمان به (١)، وإخلاص العبوديّة له تعالى، بخلع الأنداد والشركاء، والتطهّر من أدران الوثنيّة!
وفي هذا حسم لأطماع الأبعدين؛ لأن الناس بمقتضى طبائعهم البشريّة إذا رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبدأ أوّل ما يبدأ معلناً دعوته بإنذار أقرب الناس إليه، وتخويفهم، والتبرّي من أعمالهم، إذا لم يستجيبوا إلى داعي الإيمان والهداية، كان ذلك أدعى لغيرهم من الأبعدين ألا يطمع أحد في مهادنته، فضلاً عن المداهنة!
وهذا بلا شك أقوى وأوكد للدعوة في بيان إصرارها وعمومها، وأبلغ في النفوس أثراً؛ لأن الإنذار والتخويف قد يدفع الإشفاق، وقد يدفع إليهما
(١) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ٢: ١٥٩ وما بعدها بتصرف.