وكذلك الأفراد في المجتمع البشري هم في حاجة إلى مُثل عليا، يقتدون بها في مناحي حياتهم البيئيّة، لتتوثق الروابط بين الأفراد وتحسن العلاقات بين شتى الطوائف، في داخل الأسرة وخارجها, ولذلك يجب أن تكون تلك المُثل واضحة في جميع مراحل الحياة، ومثاليّة كاملة!
ومن ثم نجد عيسى -عليه السلام - يمثل الداعية الزاهد الذي غادر الدنيا وهو لا يملك مالاً، ولا داراً، ولا متاعاً، ونجده في سيرته الموجودة بين أيدي المسيحيّن لا يمثل القائد المحارب، ولا رئيس الدولة، ولا الأب، ولا الزوج، ولا غير ذلك مما تمثله سيرة خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم - من الشمول والتكامل!
خامساً: الدليل العملي على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
وسيرة محمد خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم - تعطينا الدليل العملي الذي لا ريب فيه على صدق رسالته ونبوَّته (١)، فهي سيرة إنسان سار بدعوته من نصر إلى نصر، على طريق طبيعي بحت، فقد دعا فأوذي، وبلّغ فأصبح له الأنصار، واضطر إلى الحرب فحارب، وكان حكيماً موفّقاً في قيادته، فما أزفت ساعة وفاته إلا كانت دعوته تلف الجزيرة العربيّة، عن طريق الإيمان, لا عن طريق القهر والغلبة!
وقد عرف ما كان عليه العرب من عادات، وعقائد، وما قاوموا به دعوته من شتى أنواع المقاومة، حتى تدبير اغتياله - صلى الله عليه وسلم -!
ومَنْ عرف عدم التكافؤ بينه وبين محاربيه في كل معركة انتصر فيها!
ومَنْ عرف قصر المدة التي استغرقتها رسالته حتى وفاته، وهي ثلاث
(١) السيرة النبوية: دروس وعبر: ١٧.