وتارك ذكر غَيرهم من ولد إِسْمَاعِيل، على هَذِه الْجِهَة للاختصار، إِلَى حَدِيث سيرة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتارك بعض مَا يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي هَذَا الْكتاب مِمَّا لَيْسَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ ذكر، وَلَا نزل فِيهِ من الْقُرْآن شَيْء، وَلَيْسَ سَببا لشَيْء من هَذَا الْكتاب، وَلَا تَفْسِيرا لَهُ، وَلَا شَاهدا عَلَيْهِ، لما ذكرت من الِاخْتِصَار، وأشعارا ذكرهَا لم أر أحدا من أهل الْعلم بالشعر يعرفهَا، وَأَشْيَاء بَعْضهَا يشنع الحَدِيث بِهِ، وَبَعض يسوء بعض النَّاس ذكره، وَبَعض لم يقرّ لنا البكّائيّ بروايته، ومستقص إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا سوى ذَلِك مِنْهُ بمبلغ الرِّوَايَة لَهُ، وَالْعلم بِهِ-.
فترى أَنه استبعد من عمل ابْن إِسْحَاق تَارِيخ الْأَنْبِيَاء من آدم إِلَى إِبْرَاهِيم، وَغير هَذَا من ولد إِسْمَاعِيل، مِمَّن لَيْسُوا فِي العمود النَّبَوِيّ، كَمَا حذف من الْأَخْبَار مَا يسوء وَمن الشّعْر مَا لم يثبت لَدَيْهِ، ثمَّ استقصى وَزَاد بِمَا يملك من علم، ويسترشد من فكرة فَجَاءَت السِّيرَة على مَا ترى مَعْرُوفَة بِهِ، منسوبة إِلَيْهِ، حَتَّى ليكاد النَّاس ينسون مَعَه مؤلفها الأول: ابْن إِسْحَاق.
(السهيليّ وَغَيره من شرَّاح سيرة ابْن هِشَام) :
وَجَاء أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن السّهيليّ الْمُتَوفَّى سنة ٥٨١ هـ، فعنى بِهَذَا الْكتاب، وتناوله على نَحْو جَدِيد ونهج آخر، وَهُوَ بِمَنْزِلَة الشَّرْح وَالتَّعْلِيق عَلَيْهِ. فَوضع كِتَابه «الرَّوْض الْأنف» فِي ظلّ مجهودي ابْن إِسْحَاق وَابْن هِشَام، يتعقبهما فِيمَا أخبرا بالتحرير والضبط، ثمَّ بالشرح وَالزِّيَادَة، فجَاء عمله هَذَا كتابا آخر فِي السِّيرَة بحجمه وَكَثْرَة مَا حواه من آراء، تشهد لصَاحِبهَا بطول الباع، وسعة الِاطِّلَاع.
وعَلى شاكلة مجهود السهيليّ جَاءَ- فِيمَا يظنّ- مجهود بدر الدَّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْعَيْنِيّ الْحَنَفِيّ، فَوضع عَلَيْهِ كِتَابه «كشف اللثام» ، وَكَانَ فَرَاغه مِنْهُ سنة ٨٠٥ هـ.
وَلَيْسَ بَين أَيْدِينَا من هَذَا الْكتاب نُسْخَة حَتَّى نحكم لصَاحبه، ونتعرّف عمله.
ثمَّ لَا ننسى مجهود أَبى ذرّ الخشنيّ، فقد تصدّى للْكتاب، فشرح غَرِيبه، وَلم ينس أَن يعرض لما فِيهِ من أخطاء، فجَاء عمله مَعَ عمل السّهيليّ متممين لمجهود عَظِيم، سبق بِهِ ابْن إِسْحَاق وَابْن هِشَام.