فَشَأْنُكَ أَنْعُمٌ وَخَلَّاكِ ذَمٌّ ... وَلَا أَرْجِعْ إلَى أَهْلِي وَرَائِي ١
وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي ... بِأَرْضِ الشَّامِ مُشْتَهِيَ الثَّوَاءِ ٢
وَرَدَّكَ كُلُّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ ... إلَى الرَّحْمَنِ مُنْقَطِعَ الْإِخَاءِ
هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ ... وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءُ ٣
فَلَمَّا سَمِعْتُهُنَّ مِنْهُ بَكَيْتُ. قَالَ: فَخَفَقَنِي ٤ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: مَا عَلَيْكَ يَا لُكَعُ ٥ أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ شَهَادَةً وَتَرْجِعَ بَيْنَ شُعْبَتَيْ ٦ الرَّحْلِ! قَالَ: ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي بَعْضِ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:
يَا زَيْدُ زَيْدَ الْيَعْمَلَاتِ الذُّبَّلِ ... تَطَاوَلَ اللَّيْلُ هُدِيتَ فَانْزِلْ ٧
(لِقَاءُ الرُّومِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمَضَى النَّاسُ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ ٨ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ جَمُوعُ هِرَقْلَ، مِنْ الرُّومِ وَالْعَرَبِ، بِقَرْيَةِ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ، ثُمَّ دَنَا الْعَدُوُّ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ، فَالْتَقَى النَّاسُ عِنْدَهَا، فَتَعَبَّأَ لَهُمْ الْمُسْلِمُونَ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، يُقَالُ لَهُ: قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُبَايَةُ بْنُ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ مَالِكٍ.
١ فشأنك أنعم: يُرِيد أَنه لَا يكلفها سفرا بعد ذَلِك، وَإِنَّمَا تنعم مُطلقَة، لعزمه على الْمَوْت فِي سَبِيل الله. وَلَا أرجع: قَالَ أَبُو ذَر: «هُوَ مجزوم على الدُّعَاء، دَعَا على نَفسه أَن يستشهد وَلَا يرجع إِلَى أَهله» .
٢ الثواء الْإِقَامَة فِي الْمَكَان، وَفعله: ثوى يثوى (من بَاب ضرب) .
٣ البعل: الّذي يشرب بعروقه من الأَرْض. ورواء (بِكَسْر الْهمزَة) : صفة النّخل.
٤ خفتنى بِالدرةِ: أَي ضَرَبَنِي بهَا. والدرة: السَّوْط.
٥ اللكع (كصرد) : اللَّئِيم.
٦ شعبتى الرحل: طرفاه الْمُقدم والمؤخر (عَن أَبى ذَر) .
٧ اليعملات: جمع يعملة، وَهِي النَّاقة السريعة. والذبل: الَّتِي أضعفها السّير، فَقل لَحمهَا.
(عَن أَبى ذَر) .
٨ التخوم: الْحُدُود الفاصلة بَين أَرض وَأَرْض، وَهِي جمع: تخم. (انْظُر اللِّسَان) .