أَحَدٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَبْيَضُ رَبْعَةٌ ١ ، فَنَهَمَهُ ٢ خَالِدٌ، فَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ طَوِيلٌ مُضْطَرِبٌ ٣ ، فَرَاجَعَهُ، فَاشْتَدَّتْ مُرَاجَعَتُهُمَا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَّا الْأَوَّلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَابْنِي عَبْدُ اللَّهِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَسَالِمٌ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
يَا عَلِيُّ، اُخْرُجْ إلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَانْظُرْ فِي أَمْرِهِمْ، وَاجْعَلْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيْكَ.
فَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتَّى جَاءَهُمْ وَمَعَهُ مَالٌ قَدْ بَعَثَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَدَى لَهُمْ الدِّمَاءَ وَمَا أُصِيبَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْوَالِ، حَتَّى إنَّهُ لَيَدِي لَهُمْ مِيلَغَةَ الْكَلْبِ ٤ ، حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ وَلَا مَالٍ إلَّا وَدَاهُ، بَقِيَتْ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمْ: هَلْ بَقِيَ لَكُمْ بَقِيَّةٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يُودَ لَكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي. أُعْطِيكُمْ هَذِهِ الْبَقِيَّةَ مِنْ هَذَا الْمَالِ، احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا يَعْلَمُ وَلَا تَعْلَمُونَ، فَفَعَلَ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ: فَقَالَ أَصَبْتُ وَأَحْسَنْتُ! قَالَ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا شَاهِرًا يَدَيْهِ، حَتَّى إنَّهُ لَيُرَى مِمَّا تَحْتَ مَنْكِبَيْهِ، يَقُولُ: اللَّهمّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَلَاثَ مَرَّاتُ.
(مَعْذِرَةُ خَالِدٍ فِي قِتَالِ الْقَوْمِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَعْذِرُ خَالِدًا إنَّهُ قَالَ: مَا قَاتَلْتُ حَتَّى أَمَرَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُقَاتِلَهُمْ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ.
١ الربعة من الرِّجَال: الّذي بَين الطَّوِيل والقصير.
٢ نهمه: زَجره.
٣ مُضْطَرب: لَيْسَ مستوى الْخلق.
٤ الميلغة: شَيْء يحْفر من خشب، وَيجْعَل ليلغ فِيهِ الْكَلْب، يكون عِنْد أَصْحَاب الْغنم، وَعند أهل الْبَادِيَة.