قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ آدَمُ ضَرْبٌ ١ طَوِيلٌ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ، قَدْ كَانَ تَهَيَّأَ لِلْقَتْلِ فِيهَا، حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ:
أَنَا مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ:
اللَّهمّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ ثَلَاثًا. قَالَ: فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقَّى دَمْعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ.
قَالَ: فَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ فِيمَا بَيْنَنَا: إنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَأَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا.
(مَوْتُ مُحَلِّمٍ وَمَا حَدَثَ لَهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ: أَمَّنْتَهُ باللَّه ثُمَّ قَتَلْتَهُ! ثُمَّ قَالَ لَهُ الْمَقَالَةَ الَّتِي قَالَ، قَالَ: فو الله مَا مَكَثَ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ إلَّا سَبْعًا حَتَّى مَاتَ، فَلَفَظَتْهُ ٢ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ الْحَسَنِ بِيَدِهِ، الْأَرْضُ، ثُمَّ عَادُوا لَهُ، فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، ثُمَّ عَادُوا فَلَفَظَتْهُ، فَلَمَّا غُلِبَ قَوْمُهُ عَمِدُوا إلَى صُدَّيْنِ ٣ ، فَسَطَحُوهُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَضَمُوا ٤ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ حَتَّى وَارَوْهُ. قَالَ: فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنُهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ الْأَرْضَ لَتَطَّابِقُ عَلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ فِي حُرْمِ مَا بَيْنَكُمْ بِمَا أَرَاكُمْ مِنْهُ.
(دِيَةُ ابْنِ الْأَضْبَطِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَقَيْسًا حِينَ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَخَلَا بِهِمْ، يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ، مَنَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتِيلًا يَسْتَصْلِحُ بِهِ النَّاسَ، أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَلْعَنَكُمْ اللَّهُ بِلَعْنَتِهِ، أَوْ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْكُمْ فَيَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِغَضَبِهِ؟ وَاَللَّهِ الَّذِي نَفْسُ الْأَقْرَعِ بِيَدِهِ لَتُسَلِّمُنَّهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
١ ضرب: خَفِيف اللَّحْم.
٢ لفظته الأَرْض: ألقته على وَجههَا.
٣ الصد (بِضَم الصَّاد وَفتحهَا وَتَشْديد الدَّال) : الْجَبَل.
٤ رضموا عَلَيْهِ الْحِجَارَة: جعلُوا بَعْضهَا فَوق بعض.