تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَأَرَادُوا ذَلِكَ، حَتَّى خَافَهُمْ عَتَّابُ بْنُ ١ أَسِيدٍ، فَتَوَارَى، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ وَفَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ الْإِسْلَامَ إلَّا قُوَّةً، فَمَنْ رَابَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَتَرَاجَعَ النَّاسُ وَكَفُّوا عَمَّا هَمُّوا بِهِ، وَظَهَرَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ.
فَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ:
إنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمُّهُ.
شِعْرُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَرْثِيَّتِهِ الرَّسُولَ
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ:
بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرَّسُولِ وَمَعْهَدُ ... مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرَّسُومُ وَتَهْمُدُ ٢
وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ ... بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ ٣
وَوَاضِحُ آثَارٍ وَبَاقِي مَعَالِمَ ... وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلَّى وَمَسْجِدُ ٤
بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا ... مِنْ اللَّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ ٥
مَعَارِفُ لَمْ تطمس على الْعَهْد آيها ... أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدَّدُ ٦
عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ وَعَهْدَهُ ... وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مُلْحِدُ ٧
ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فَأَسْعَدَتْ ... عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا مِنْ الْجَفْنِ تُسْعَدُ ٨
١ كَانَ عتاب بن أسيد والى مَكَّة حِين توفى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أمره عَلَيْهَا.
٢ طيبَة: اسْم مَدِينَة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والرسم: مَا بَقِي من آثَار الدَّار. وَتَعْفُو: تدرس وتتغير. وتهمد: تبلى.
٣ تمتحى: تَزُول. والآيات: العلامات.
٤ المعالم: جمع معلم، وَهُوَ مَا يعرف بِهِ الشَّيْء.
٥ الحجرات: جمع حجرَة. يعْنى مساكنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٦ لم تطمس: لم تغير.
٧ الملحد: الّذي يضع الْمَيِّت فِي لحده.
٨ تسعد: تعين.