بِأَجْرَأَ مِنْهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وَتُدْعَى نَزَالِ فِي الْقَمَاقِمَةِ الْبُهَمْ ١
فَلَا تَجْزَعُوا آلَ الْمُغِيرَةِ وَاصْبِرُوا ... عَلَيْهِ وَمَنْ يَجْزَعْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُلَمْ ٢
وَجِدُّوا فَإِنَّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ
وَقَدْ قُلْتُ إنَّ الرِّيحَ طَيِّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزَّ الْمَقَامِ غَيْرُ شَكٍّ لِذِي فَهَمْ ٣
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارٍ.
(شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، يَبْكِي أَخَاهُ أَبَا جَهْلٍ:
أَلَا يَا لَهْفَ نَفْسِي بَعْدَ عَمْرٍو ... وَهَلْ يُغْنِي التَّلَهُّفُ مِنْ قَتِيلِ ٤
يُخْبِرُنِي الْمُخَبِّرُ أَنَّ عَمْرًا ... أَمَامَ الْقَوْمِ فِي جَفْرٍ ٥ مُحِيلِ ٦
فَقِدْمًا كُنْتُ أَحْسِبُ ذَاكَ حَقَّا ... وَأَنْتَ لِمَا تَقَدَّمَ غَيْرُ فِيلِ ٧
وَكُنْتُ بِنِعْمَةِ مَا دُمْتَ حَيًّا ... فَقَدْ خُلِّفْتُ فِي درج المسيل ٨
كأنى حِينَ أُمْسِي لَا أَرَاهُ ... ضَعِيفُ الْعَقْدِ ذُو هَمٍّ طَوِيلِ ٩
عَلَى عَمْرٍو إذَا أَمْسَيْتُ يَوْمًا ... وَطَرْفٌ مَنْ تَذَكُّرِهِ كَلِيلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامِ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَقَوْلُهُ:
«فِي جَفْرٍ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
١ القماقمة: السَّادة الكرماء، واحدهم: قمقام. والبهم: الشجعان، الْوَاحِد: بهمة.
٢ فَلم يلم، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِكَسْر اللَّام، فَمَعْنَاه: لم يَأْتِ بِمَا يلام عَلَيْهِ، وَمن رَوَاهُ بِفَتْح اللَّام، فَمَعْنَاه: لم يُعَاتب، من اللوم، وَهُوَ العتاب» .
٣ يُرِيد «بِطيب الرّيح» : النَّصْر. قَالَ تَعَالَى: «وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ٨: ٤٦» .
٤ كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر. والفتيل (بِالْفَاءِ) : الّذي يكون فِي شقّ النواة يضْرب بِهِ الْمثل فِي الشَّيْء الْقَلِيل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: «لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ٤: ٤٩» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَتِيل» بِالْقَافِ.
٥ كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والجفر، الْبِئْر الَّتِي لَا بِنَاء لَهَا، وَفِي أ: «حفر» .
٦ الْمُحِيل: الْقَدِيم الْمُتَغَيّر.
٧ غير فيل، أَي غير فَاسد الرأى، يُقَال: رجل فيل الرأى، وفال الرأى، وفائل الرأى: إِذا كَانَ غير حسن الرأى.
٨ يُرِيد «بدرج المسيل» : موطن الذل والقهر، يُقَال: تركته درج المسيل، إِذا تركته بدار مذلة، وَهُوَ حَيْثُ لَا يقدر على الِامْتِنَاع.
٩ العقد (هُنَا) : الْعَزْم والرأى.