فِي مَوْطِنٍ مِنْ الْمَوَاطِنِ لَأُمَثِّلَنَّ بِثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ. فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حُزْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْظَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِعَمِّهِ مَا فَعَلَ، قَالُوا: وَاَللَّهِ لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللَّهُ بِهِمْ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمَّا وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ:
لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِكَ أَبَدًا! مَا وَقَفْتُ مَوْقِفًا قَطُّ أَغْيَظَ إلَيَّ مِنْ هَذَا! ثُمَّ قَالَ: جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَكْتُوبٌ فِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ: حَمْزَةُ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَسَدُ اللَّهِ، وَأَسَدُ رَسُولِهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمْزَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ، إخْوَةٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْهُمْ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ ١ .
(مَا نَزَلَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ فِي ذَلِكَ، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ.
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا باللَّه، وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ» ، فَعَفَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَبَرَ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ الطَّوِيلُ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: مَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامٍ قَطُّ فَفَارَقَهُ، حَتَّى يَأْمُرَنَا بِالصَّدَقَةِ، وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ ٢ .
١ اسْمهَا ثويبة.
٢ قَالَ السهيليّ: «وَهُوَ حَدِيث صَحِيح فِي النهى عَن الْمثلَة، فَإِن قيل: فقد مثل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعرنيين فَقطع أَيْديهم وأرجلهم، وسمل أَعينهم، وتركهم بِالْحرَّةِ؟ قُلْنَا: فِي ذَلِك جوابان: أَحدهمَا أَنه فعل ذَلِك قصاصا لأَنهم قطعُوا أَيدي الرعاء وأرجلهم وسملوا أَعينهم، وَقيل إِن ذَلِك قبل تَحْرِيم الْمثلَة، فَإِن قيل: فقد تَركهم يستسقون فَلَا يسقون حَتَّى مَاتُوا عطاشا. قُلْنَا: عطشهم لأَنهم عطشوا أهل بَيت النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة،.