«وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» ٣: ١٢٦: أَيْ مَا سَمَّيْتُ لَكُمْ مَنْ سَمَّيْتُ مِنْ جُنُودِ مَلَائِكَتِي إلَّا بُشْرَى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، لِمَا أَعْرِفُ مِنْ ضَعْفِكُمْ، وَمَا النَّصْرُ إلَّا مِنْ عِنْدِي، لِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِزَّ وَالْحُكْمَ إلَيَّ، لَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي. ثُمَّ قَالَ: «لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ» ٣: ١٢٧: أَيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلٍ يَنْتَقِمُ بِهِ مِنْهُمْ، أَوْ يَرُدَّهُمْ خَائِبِينَ: أَيْ وَيَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَلًّا خَائِبِينَ، لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمَّا كَانُوا يَأْمُلُونَ.
(تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَكْبِتُهُمْ: يَغُمُّهُمْ أَشَدَّ الْغَمِّ، وَيَمْنَعُهُمْ مَا أَرَادُوا. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مَا أَنْسَ مِنْ شَجَنٍ لَا أَنْسَ مَوْقِفَنَا ... فِي حَيْرَةٍ بَيْنَ مَسْرُورٍ وَمَكْبُوتِ ١
وَيَكْبِتُهُمْ (أَيْضًا) : يَصْرَعُهُمْ لِوُجُوهِهِمْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ لِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ ٣: ١٢٨» :
أَيْ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْحُكْمِ شَيْءٌ فِي عِبَادِي، إلَّا مَا أَمَرْتُكَ بِهِ فِيهِمْ، أَوْ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي، فَإِنْ شِئْتُ فَعَلْتُ، أَوْ أُعَذِّبُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَبِحَقِّي «فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ» ٣: ١٢٨:
أَيْ قَدْ اسْتَوْجَبُوا ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إيَّايَ «وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ» ٣: ١٢٩: أَيْ يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَرْحَمُ الْعِبَادَ، عَلَى مَا فِيهِمْ ٢ .
١ الشجن: الْحزن.
٢ قَالَ السهيليّ، عِنْد ذكر قَوْله تَعَالَى «لَيْسَ لَكَ من الْأَمْرِ شَيْءٌ» ٣: ١٢٨: «وَفِي تَفْسِير التِّرْمِذِيّ حَدِيث مَرْفُوع:
أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو على أَبى سُفْيَان والْحَارث بن هِشَام وَعَمْرو بن الْعَاصِ حَتَّى أنزل الله تَعَالَى «لَيْسَ لَكَ من الْأَمْرِ شَيْءٌ» ٣: ١٢٨ قَالَ فتابوا وَأَسْلمُوا وَحسن إسْلَامهمْ، وَهَذَا حَدِيث ثَابت فِي حسن إِسْلَام أَبى سُفْيَان، خلافًا لمن زعم غير ذَلِك، وَأما الْحَارِث بن هِشَام فَلَا خلاف فِي حسن إِسْلَامه وَفِي مَوته شَهِيدا بِالشَّام، وَأما عَمْرو بن الْعَاصِ فقد قَالَ فِيهِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسلم النَّاس وآمن عَمْرو» .