وَقُرَيْشٌ تَفِرُّ مِنَّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفَّ مِنْهَا الْحُلُومُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، قَدْ ذَكَرْتهَا فِي أَشْعَارِ يَوْمِ أُحُدٍ.
«أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ٢٤: ٦٤» .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مِنْ صَدْقٍ أَوْ كَذِبٍ.
«وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٢٤: ٦٤» .
(ارْتِجَازُ الْمُسْلِمِينَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَتَّى أَحْكَمُوهُ، وَارْتَجَزُوا فِيهِ بِرَجُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يُقَالُ لَهُ جُعَيْلٌ، سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَمْرًا، فَقَالُوا:
سَمَّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيْلٍ عَمْرَا ... وَكَانَ لِلْبَائِسِ يَوْمًا ظَهْرَا ١
فَإِذَا ٢ مَرُّوا «بِعَمْرٍو» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَمْرًا، وَإِذَا مَرُّوا «بِظَهْرٍ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ظَهْرًا ٣ .
(مَا ظَهَرَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ أَحَادِيثُ بَلَغَتْنِي، فِيهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِبْرَةٌ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَحْقِيقِ نُبُوَّتِهِ، عَايَنَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ.
(مُعْجِزَةُ الْكُدْيَةِ) :
فَكَانَ مِمَّا بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ كُدْيَةٌ، فَشَكَوْهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا بِإِنَاءِ مِنْ مَاءٍ، فَتَفَلَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ، ثُمَّ نَضَحَ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ الْكُدْيَةِ،
١ الظّهْر: الْقُوَّة والمعونة. وَالضَّمِير فِي «سَمَّاهُ» و «كَانَ» للنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو ذَر «وَقد يجوز فِيهِ وَجه ثَان، وَهُوَ أَن يكون الظّهْر (هُنَا) : الْإِبِل، فَيكون الْبَيْت على وَجه آخر، تَقْدِيره وَكَانَ المَال للبائس يَوْمًا ظهرا، فأضمر اسْم كَانَ وَإِن لم يتَقَدَّم مَا يفسره، لِأَن مساق الْكَلَام يدل عَلَيْهِ، كَمَا قَالُوا: إِذا كَانَ غَدا فأتنى، أَي إِذا كَانَ الْيَوْم غَدا» .
٢ زَادَت أبعد هَذَا الْبَيْت «فِي كتاب ابْن إِسْحَاق طهرا» .
٣ أَي قَالَ مَعَهم آخر أَيْضا، فَكَانُوا يرتجزون هَذَا الشّعْر، وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول مَعَهم أَوَاخِر أبياته.