إن ذكّرتني بوقت صخرها غسقا ... أو نكّرتني بوقت الصّيف في السّحر
فكلّ أوقاتي الغرّا مسبّلة ... جاها وعلما وما يزرى من البدر
شبّهته جالسا في الدّرس في فئة ... هم النّجوم ووجه الشيخ بالقمر
وهم طباق وهم يهدى السّبيل بهم ... من حوله أنجم كالأنجم الزّهر
هم الرّجال ولكن شيخهم رجل ... رجاله سند في مسند الخبر
ساد الرّجال وكم قد ساد من رجل ... يسوقه بعد تحويل من السّطر
يملي الحديث ببيبرس حوى سندا ... عال إلى سيّد الكونين والبشر
تاللَّه لو سمعت حذّاق شرعتنا ... سوق الأسانيد في إملائه الجهر
ولو رأوا يده في فرع روضته ... أو فسّرت آية في محكم السّور
أو ما يوصّله في الدّين معتقدا ... أو رتّبت سندا من نخبة الفكر
أو أظهرت حكمة للشّافعيّ خفت ... يستخرج الكلّ من خرم من الإبر
أثنوا عليه ومن أضحى يخالفه ... بمنزل دحص كقشعم الحجر
أبكي عليه وقد شالوا جنازته ... ونقّطت مزنة من نسمة السّحر
أنقى من الثّلج إشراقا وريحتها ... أذكى من المسك والنّدا الذكي العطر
وبشّرت برضا الرّحمن خالقه ... والحور قد زيّنت بالحلي في السّرر
وعدته قائلا للقلب منه عسى ... وهل يفيد عسى مع سابق القدر
يا قلب، قد كنت تخشى الموت ذا حذر ... وليس ذو حذر ينجو من القدر
وأنت للعالم النّقّاش منتسب ... وكم معان خفت تأتيك في الصّور
خفت المنون وما قد كنت تحسبه ... قد جاء منتقشا كالنّقش في الحجر
إن غاب شخصك يا مولاي عن نظري ... وغيّبوا وجهك المحبوب في القبر
في أساريرك الحسناء مشرقة ... سبط من الحسنيين الخلق والبشر
يا من مراحمه للخلق واسعة ... عمّت نجيّا ومن في دينه الخطر
اجعل على متن هذا القبر سابغة ... من لؤلؤ رطب عذب ذكي عطر
والسّامعين ومن يعزى لمذهبهم ... تحدو على سنّة الهادي النّبي المضري
وقل لمن سمع الأبيات يسترها ... فاللَّه يستره في الورد والصّدر
قدّمتها سلعة مزجا وناظمها ... يعدّها خجلا من أعظم الكبر
وأذن بسحب صلاة منك ثمّ رضا ... على نبيّ الهدى والبشر والبشر
وآله وجميع الصّحب قاطبة ... بهم هدي أمم في البدو والحضر
ما غرّدت ورقه في الأيك آصرة ... بزورة المصطفى والبيت والحجر