فقال لي: «بارك اللَّه في عمرك» - قالها ثلاثا- فدخلت مكّة وأقمت مدة ولم أعرف للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم خبرا، فرجعت إلى بلدي فأقمت بها ثلاثين أو إحدى وأربعين، فسمعت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وأنه تحوّل إلى المدينة، فركبت البحر خامس مرة، فوصلت إلى المدينة، فدخلت المسجد، وأبصرت النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم جالسا في المحراب، فسلمت عليه، وجلست، فقال لي: «من أين أنت يا شيخ» ؟ قلت: من الهند.
قال: «أنت الّذي حملتني بين جدّة ومكّة وأنا صبيّ ومعي جمال» ؟ قلت: نعم. قال: «بارك اللَّه في عمرك» فأسلمت وأقمت عنده اثني عشر يوما، وأكلت معه الطعام، ورجعت إلى بلدي، فأقمت تحت هذه الشّجرة وهي شجرة قوقل. قال: ثم أمر لنا بطعام وأكل معنا ثلاث لقيمات، وقال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: «الموافقة من المروءة والمنافقة من الزّندقة» .
قال: ورأيت أسنانه مثل أسنان الحنش دقاقا، ولحيته مثل الشّوك، وفيها شعر أكثره بياض، وقد سقط حاجباه على وجنتيه يرفعهما بكلاب.
قال: وسألت الشريف: هل كان للشيخ أولاد؟ فقال: سألته فذكر أنه لم يتزوّج قط ولا احتلم إلا مرة في الجاهليّة.
قال الشّريف: أقمت معه من طلوع الشمس إلى العصر، ورأيت طول قعدته ثلاثة أذرع، ومات سنة اثنتي عشرة وستمائة.
وقرأت في تاريخ اليمن للجندي، ومنها ما أنبئت عن المحدّث الرحال جمال الدين محمد بن أحمد بن أمين الأقشهري نزيل المدينة النبويّة في فوائد رحلته: أخبرنا أبو الفضل وأبو القاسم بن أبي عبد اللَّه علي بن إبراهيم بن عتيق اللواتي المعروف بابن الخبّاز المهدوي في العشرين من شوّال سنة عشر وسبعمائة بتونس، قال: سمعت أبا عبد اللَّه محمد بن علي بن محمد بن يعلى المغربي التلمساني بثغر الإسكندرية في شهر رمضان سنة ستّ وثمانين وستمائة يقول: سمعت المعمر أبا بكر المقدسي- وكان عمّر ثلاثمائة سنة من لفظه ببلدة السومنات بالهند بمسجد السلطان محمود بن سبكتكين في رجب سنة اثنتين وخمسين وستمائة يقول: حدّثنا الشيخ المعمر خواجه رتن بن عبد اللَّه في داره ببلدة توبندة من لفظه يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: «يكون في آخر الزّمان للَّه تبارك وتعالى جند من قبل عسقلان، وهم ترك ما قصدهم أحد إلّا قهروه، ولا قصدوا أحدا إلّا قهروه» .
قال: وذكر خواجه رتن بن عبد اللَّه أنه شهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم الخندق، وسمع منه هذا