إلى الموضع الّذي قصدته، فعجب أهله مني، وأضافني شيخ منهم، فأدخلني بيتا، فإذا فيه الشّيخ المعمّر ملفوفا في القطن، وهو في مهد، فدعاه فقال: يا سيدي، هذا رجل من بلاد بعيدة من المغرب الأقصى، جاء إلينا، ليس له حاجة غير رؤيتك، ويريد أن يسمع منك، فكلّمني بكلام ترجمة لي ذلك الشّيخ، فقال: كنت يوم الخندق أعمل مع المسلمين، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلما رأيته وجدت في نفسي خفّة في العمل، فلما رأى ذلك مني قال:
عمّرك اللَّه. عمّرك اللَّه. عمّرك اللَّه. ثم سكت فقال لي الّذي أدخلني عليه: يكفيك.
ثم أخرج الأقشهريّ نحو هذه القصّة من وجهين آخرين، فسمى المعمّر عمارا، وسأذكر ذلك في حرف العين من هذا القسم إن شاء اللَّه تعالى.
وقد تكلم الصّلاح الصفديّ في تذكرته في تقوية وجود رتن، وأنكر على من ينكر وجوده، وعوّل في ذلك على مجرد التجويز العقلي ... وليس النزاع فيه، إنما النزاع في تجويز ذلك من قبل الشرع بعد ثبوت حديث المائة في الصّحيحين والاستبعاد الّذي عوّل عليه الذهبي.
وتعقّب القاضي برهان الدين بن جماعة في حاشية كتبها في تذكرة الصفديّ. فقال:
قول شيخنا الذّهبي هو الحقّ، وتجويز الصّفدي الوقوع لا يستلزم الوقوع، إذ ليس كلّ جائز بواقع انتهى.
ولما اجتمعت بشيخنا مجد الدين الشيرازي شيخ اللغة بزبيد «١» من اليمن، وهو إذ ذاك قاضي القضاة ببلاد اليمن، رأيته ينكر على الذهبيّ إنكار وجود رتن، وذكر لي أنه دخل ضيعته لما دخل بلاد الهند ووجد فيها من لا يحصى كثرة ينقلون عن آبائهم وأسلافهم عن قصة رتن، ويثبتون وجوده، فقلت: هو لم يجزم بعدم وجوده، بل تردّد، وهو معذور.
والّذي يظهر أنه كان طال عمره، فادّعى ما ادعى، فتمادى على ذلك حتى اشتهر، ولو كان صادقا لاشتهر في المائة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، ولكن لم ينقل عنه شيء إلا في أواخر السّادسة ثم في أوائل السّابعة قبيل وفاته وقد اختلف في سنة وفاته كما تقدّم.
واللَّه أعلم.
الراء بعدها الجيم
٢٧٦٧ ز- رجل، صحابي:
لم يسمّ ادعى ابن حزم أن هذه اللفظة علم عليه، سمّاه بها
(١) زبيد: بالفتح ثم الكسر وياء مثناة من تحت: اسم واد به مدينة يقال لها الخصيب وهي التي تسمى اليوم زبيد وهي مشهورة باليمن محدثة في أيام المأمون، وبإزائها ساحل غلافقه وساحل المندب وزبيد: بالضم، ثم الفتح: موضع آخر. انظر: مراصد الاطلاع ٢/ ٦٥٨.