وحدثنا هشام بن محمد بن السّائب الكلبيّ، عن أبيه، وعن جميل بن مرثد الطائي وغيرهما، قالوا: زارت سعدى أم زيد بن حارثة قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهليّة على أبيات بني معن، فاحتملوا زيدا وهو غلام يفعة، فأتوا به في سوق عكاظ فعرضوه للبيع، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم، فلما تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وهبته له، وكان أبوه حارثة بن شراحيل حين فقده قال:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحيّ فيرجى أم أتى دونه الأجل
الطويل في أبيات يقول فيها:
أوصي به عمرا وقيسا كلاهما ... وأوصي يزيدا ثمّ بعدهم جبل
«١» «٢» الطويل يعني بعمرو وقيس أخويه، وبيزيد أخا زيد لأمه، وهو يزيد بن كعب بن شراحيل، وبجبل ولده الأكبر، قال: فحجّ ناس من كلب، فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه، فقال: أبلغوا أهلي هذه الأبيات:
أحنّ إلى قومي وإن كنت نائيا ... بأنّي قطين البيت عند المشاعر
الطويل في أبيات.
فانطلقوا فأعلموا أباه، ووصفوا له موضعا،
فخرج حارثة وكعب أخوه بفدائه، فقدما مكة، فسألا عن النّبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه، فقالا: يا بن عبد المطّلب، يا بن سيد قومه، أنتم أهل حرم اللَّه تفكّون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ولدنا عبدك، فامنن علينا، وأحسن في فدائه، فإنا سنرفع لك. قال وما ذاك؟ قالوا: زيد بن حارثة. فقال: أو غير ذلك؟ أدعوه فخيّروه، فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء. وإن اختارني فو اللَّه ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء قالوا: زدتنا على النّصف، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، هذا أبي وهذا عمّي، قال: فأنا من قد
(١) في ت بجل.
(٢) ينظر البيت الأول والثاني في أسد الغابة ترجمة رقم (١٨٢٩) والاستيعاب ترجمة رقم (٨٤٨) الأول والأخير منهما وفي الطبقات ٣/ ٢٨. وسيرة ابن هشام ١/ ٢٤٨.