ومن وسائل إيضاحه صلّى اللَّه عليه وسلم أسئلته التي كان يلقيها على أصحابه، ونأخذ مثالا واحدا من ذلك:
عن أبي هريرة- رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «أتدرون من المفلس» ؟ قالوا:
المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار ولا متاع، فقال: «إنّ المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النّار» (١) .
وكان صلّى اللَّه عليه وسلم يستعين بالرّسم في توضيح المعاني وتقريبها إلى الأذهان- رغم أنه كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب ولم يتعلم الهندسة ولا غيرها.
روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود- رضي اللَّه عنه- قال: «خط لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطّا مربعا، وخطّ وسطه خطّا، وخطّ خطوطا إلى جنب الخطّ- أي الّذي في الوسط- وخط خطّا خارجا فقال: «أتدرون ما هذا» قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: «هذا الإنسان» يريد الخط الّذي في الوسط- وهذا الأجل محيط به- يريد الخط المربع وهذه الأعراض تنهش- يشير إلى الخطوط التي حوله- إن أخطأ، هذا نهشه هذا، وهذا الأمل- يعني الخطّ الخارج.
ومن سياسته الحكمية في التّربية والتّعليم أنه كان ينتهز فرصة الخطأ ليصحح لهم الفكرة في حينها.
من ذلك ما يقصّه علينا سيدنا: أنس- رضي اللَّه عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النَّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوه (٢) ، وقالوا: أين نحن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر؟ قال أحدهم: أمّا أنا فأصلّي الليل أبدا وقال الآخر: وأنا أصوم الدّهر أبدا، وقال الآخر: وأنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- إليهم فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا!!! واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم للَّه، ولكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» (٣) .
(١) أخرجه مسلم في الصحيح ٤/ ١٩٩٧ كتاب البر والصلة والآداب (٤٥) باب تحريم الظلم (١٥) حديث رقم (٥٩/ ٢٥٨١) والترمذي في السنن ٤/ ٥٢٩- ٥٣٠ كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (٣٨) باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص (٢) حديث رقم (٢٤١٨) وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والطبري في التفسير ٢٨/ ٩٩- وذكره التبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم ٥١٢٧.
(٢) أي عدوها قليلة.
(٣) متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح ٩/ ١٠٤، كتاب النكاح (٦٧) باب الترغيب في النكاح (١)