وقال ابن سعد أيضا: أخبرنا عفان، حدثنا حماد، عن ثابت، عن سمية، عن عائشة- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان في سفر فاعتلّ بعير لصفية، وفي إبل زينب بنت جحش فضل، فقال لها: «إنّ بعيرا لصفيّة اعتلّ، فلو أعطيتها بعيرا» . فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية! فتركها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذا الحجة والمحرم شهرين أو ثلاثة لا يأتيها. قالت زينب: حتى يئست منه.
وأخرج ابن أبي عاصم، من طريق القاسم بن عوف، عن أبي برزة، قال: لما نزل النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر كانت صفية عروسا في مجاسدها «١» ، فرأت في المنام أنّ الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها، فقصّت ذلك على زوجها، فقال: ما تمنّين إلا هذا الملك الّذي نزل بنا. قال: فافتتحها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فضرب عنق زوجها صبرا ... الحديث. وفيه: فألقى تمرا على سقيفة، فقال: «كلوا من وليمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على صفيّة» .
وذكر ابن سعد من طريق عطاء بن يسار، قال: لما قدمت صفية من خيبر أنزلت في بيت لحارثة بن النعمان فسمع نساء الأنصار فجئن ينظرن إلى جمالها، وجاءت عائشة متنقّبة، فلما خرجت خرج النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم على أثرها، فقال: «كيف رأيت يا عائشة؟» قالت:
رأيت يهودية. فقال: «لا تقولي ذلك، فإنّها أسلمت وحسن إسلامها» ..
ولها ذكر في ترجمة أم سنان الأسلمية، وفي ترجمة أمية بنت أبي قيس.
وأخرج من طريق عبد اللَّه بن عمر العمري، قال: لما اجتلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صفية رأى عائشة منتقبة بين النساء، فعرفها، فأدركها فأخذ بثوبها، فقال: «كيف رأيت يا شقيراء؟» .
وأخرج بسند صحيح من مرسل سعيد بن المسيّب، فقال: قدمت صفية وفي أذنها خوصة من ذهب، فوهبت منه لفاطمة ولنساء معها.
وأخرج التّرمذيّ من طريق كنانة مولى صفية أنها حدّثته، قالت: دخل عليّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام فذكرت له ذلك. فقال: «ألا قلت: وكيف تكونان خيرا منّي وزوجي محمّد وأبي هارون وعمّي موسى» . وكان بلغها أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منها، نحن أزواجه وبنات عمه.
وقال أبو عمر: كانت صفية عاقلة حليمة فاضلة، روينا أن جارية لها أتت عمر فقالت:
إن صفية تحبّ السبت وتصل اليهود، فبعث إليها فسألها عن ذلك، فقالت: أما السبت فإنّي
(١) قال ابن الأثير: هو جمع مجسد- بضم الميم- وهو المصبوغ المشبع بالجسد وهو الزّعفران والعصفر، والجسد والجساد: الزعفران أو نحوه من الصّبغ، وثوب مجسد ومجسّد: مصبوغ بالزعفران وقيل: هو الأحمر والمجسّد: ما أشبع صبغه من الثياب والجمع مجاسد. اللسان ١/ ٦٢٢.