فهل بعد هذا كلّه يعقل أن يعبث الصّحابة، أو يقرون من يعبث بكتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم.
العامل الثّامن:
تعويدهم الصّدق وترويضهم عليه عملا، كما أرشدوا إليه وأدبوا به فيما سمعوا علما، والتّربية غير التّعليم، والعلم غير العمل، ونجاح الفرد والأمّة مرهون بمقدار ما ينهلان من رحيق التّربية، وما يقطفان من ثمرات الرّياضة النفسية والقوانين الخلقية، أما العلم وحده فقد يكون سلاح شقاء، ونذير فناء، كما نرى ونسمع.
ولقد أدرك الإسلام هذه النّاحية الجليلة في بناء الأمم فأعارها كل اهتمام، وعني بالتّنفيذ والعمل أكثر مما عني بالعلم والكلام.
انظر إلى
قول الرّسول صلّى اللَّه عليه وسلم لمن يدرسون العلم في مسجد قباء «تعلّموا ما شئتم أن تعلّموا فلن يأجركم اللَّه حتّى تعملوا» .
ولقد مرّ بنا قبل ذلك الحديث عن الكذب، وهو أنواع، وشرع اللَّه عقوبة من أشنع العقوبات لمن اقترف نوعا منه وهو الخوض في الأعراض، تلك العقوبة هي حدّ القذف الّذي يقول الحقّ جلّ شأنه فيه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١) .
أفبعد هذه التربية العالية يصح أن يقال: إن الصحابة يكذبون على اللَّه ورسوله، ولا يتثبتون، ألا إن هؤلاء من إفكهم ليهرفون بما لا يعرفون، ويسرفون في تجريح الفضلاء واتهام الأبرياء ولا يستحون، فويل لهم من يومهم الّذي يوعدون.
العامل التّاسع:
القدوة الصّالحة، والأسوة الحسنة، التي كانوا يجدونها في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ماثلة كاملة، جذابّة أخّاذة، ولا شكّ أن القدوة الصّالحة خير عامل من عوامل التّعليم والتربية والتّأديب والتّهذيب.
ولم يعرف التّاريخ ولن يعرف قدوة أسمى ولا أسوة أعلى ولا إمامة أسنى من محمد صلّى اللَّه عليه وسلم في كافة معناه الكمال البشري، خصوصا خلقه الرّضي، وأدبه السّني، ولا سيما صدقه وأمانته وتحريه ودقته.
() في الكبير ١٠/ ١٨٠ وذكره السيوطي من الدر المنثور ٢/ ٣٠١، ٣٤١ والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٧/ ١٢.
(١) النور: ٤٠ .