(أبو هريرة) المفترى عليه (رضي اللَّه عنه)
طعن أرباب الأهواء قديما وحديثا في أبي هريرة- رضي اللَّه عنه ليتخلصوا من أحاديثه التي تقف دون أهوائهم، وتردّ كيدهم. في نحورهم، وسندهم في هذه المطاعن إمّا روايات مكذوبة أو ضعيفة، وإما روايات صحيحة لم يفهموها على وجهها، بل تأوّلوها تأويلا باطلا يتفق وأهواءهم، وإنّا لذاكرون لك بعضا من هذه الطّعون، والجواب عنها بإيجاز ليكون ذلك نموذجا يحتذي في الدّفاع عن هذا الصّحابي الجليل، فنقول وباللَّه التوفيق:
(أ) - مما طعن به أهل الأهواء في صدق أبي هريرة- رضي اللَّه عنه- «حديث الوعاءين» وهو ما رواه البخاريّ من باب «حفظ العلم» من كتاب «العلم» عن أبي هريرة قال:
«حفظت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعاءين، فأمّا أحدهما فبثثته وأمّا الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم» (١) .
قالوا: هذا الحديث لو صح لترتّب عليه أن يكون النّبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد كتم شيئا من الوحي عن جميع الصحابة سوى أبي هريرة، وذلك لا يجوز بإجماع المسلمين.
والجواب: أنه ليس في الحديث ما يفيد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد اختصه بهذا الوعاء دون غيره من الصحابة، وعلى تقدير أنه اختصه بهذا الوعاء دون غيره من الصّحابة، فليس فيه شيء من كتمان الوحي الّذي أمر اللَّه رسوله أن يبلغه النّاس.
قال ابن كثير: «هذا الوعاء الّذي كان لا يتظاهر به هو الحروب والفتن والملاحم، وما وقع بين الناس من الحروب والقتال وما سيقع» . أهـ.
فالإخبار عن بعض الحروب والملاحم الّتي ستقع ليس مما يتوقف عليه شيء من أصول الدّين أو فروعه، فيجوز للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم أن يخص مثل هذا النّوع من الوحي شخصا دون الآخر، أو فريقا دون فريق.
(ب) - وممّا اتّخذ شبهة على صدق أبي هريرة في الحديث
أنه كان يروي عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «من أدرك الصّبح وهو جنب فلا يصم» ، ويفتي به النّاس فبلغ ذلك عائشة وأمّ سلمة- رضي اللَّه عنهما- فأنكرتا عليه، وذكرتا «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم «يغتسل ويصوم» ،
فرجع إلى حديثهما وقال: كذلك حدثني الفضل بن العبّاس
(١) أخرجه البخاري في الصحيح ١/ ٢٥٨ كتاب العلم باب حفظ العلم (٤٢) حديث رقم ١١٨.