الوطيس لحق بالجبل، فإذا سئل قال: عليّ أعلم ومعاوية أدسم، والجبل أسلم، وهذا من إفكهم وأباطيلهم، والثابت تاريخيا أنّ أبا هريرة- رضي اللَّه عنه- اعتزل الفتنة وأقام بالمدينة ولم يبرحها.
٥- وزعموا أنه كان متشيّعا لبني أمية، ويأخذ من معاوية جعلا على وضع الأحاديث في ذمّ عليّ- رضي اللَّه عنه- والتّاريخ الصّحيح يسجّل أن أبا هريرة روى من الأحاديث ما فيه الثّناء المستطاب على عليّ رضي اللَّه عنه وآل البيت.
ذكر أحمد في مسندة طرفا منها، وقصته مع مروان حين أرادوا دفن الحسن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شاهد عدل على مبلغ حبه لآل البيت (١) .
ثم أين هي تلك الأحاديث الّتي وضعها أبو هريرة في ذمّ علي- رضي اللَّه عنه- ومن رواها من الثّقات إنها لا وجود لها إلّا في أدمغتهم وخيالاتهم.
إن الّذي تقرءوه عن أبي هريرة- رضي اللَّه عنه- في الصّحيح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليس هو الإزراء على أمير المؤمنين عليّ كرم اللَّه وجهه، وإنما هو الإشارة إلى ما سيكون من بعض حكّام الأمويين من ظلم.
ومن تلك الأحاديث:
«هلاك أمّتي على يدي غلمة من قريش» (٢)
فقال مروان: غلمة قال أبو هريرة: إن شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان» .
«يهلك النّاس هذا الحيّ من قريش» ، قالوا فما تأمرنا؟ قال: «لو أنّ النّاس اعتزلوهم» (٣) .
وفي هذا وذاك تعريض ظاهر ببعض أمراء بني أميّة، وتحريض على اعتزالهم، وممّا كان يدعو به كما في الصحيح: «اللَّهمّ إنّي أعوذ بك من رأس الستّين وإمارة الصّبيان» .
وقد استجاب اللَّه دعاء أبي هريرة فمات سنة ثمان وخمسين، ولم يدرك سنة ستين التي تولى فيها يزيد، وكان منه ما كان.
(١) ذكر القصة ابن كثير في تاريخه ٨/ ١٠٨.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح ٩/ ٨٥ كتاب الفتن باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم هلاك أمتي.. حديث رقم ٧٠٥٨ وأحمد في المسند ٢/ ٣٢٤- والحاكم في المستدرك ٤/ ٥٢٧ والبيهقي في دلائل النبوة ٦/ ٤٦٥ وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٠٨٩٩.
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح ٥/ ٤٦ كتاب المناقب باب علامات النبوة حديث رقم ٣٦٠٤ ومسلم في الصحيح ٤/ ٢٢٣٦ كتاب الفتن وأشراط الساعة (٥٢) باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء (١٨) حديث رقم (٧٤/ ٢٩١٧) - وأحمد في المسند ٢/ ٣٠١ وذكره ابن كثير في البداية والنهاية ٦/ ٢٥٩ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٠٨٣٣.