معاوية من منبج «١» إلى مسكن، فدخلا الكوفة جميعا، فنزل الحسن القصر، ونزل معاوية النّخيلة «٢» ، وأجرى عليه معاوية في كل سنة ألف ألف درهم، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.
قال ابن سعد: وأخبرنا عبد اللَّه بن بكر السهمي، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو بن دينار، قال: وكان معاوية يعلم أن الحسن أكره الناس للفتنة، فراسله وأصلح الّذي بينهما، وأعطاه عهدا إن حدث به حدث والحسن حيّ ليجعلنّ هذا الأمر إليه. قال: فقال عبد اللَّه بن جعفر قال الحسن: إني رأيت رأيا أحبّ أن تتابعني عليه. قلت: ما هو؟ قال:
رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها، وأخلي الأمر لمعاوية، فقد طالت الفتنة، وسفكت الدماء، وقطعت السبل. قال: فقلت له: جزاك اللَّه خيرا عن أمة محمد. فبعث إلى حسين فذكر له ذلك، فقال: أعيذك باللَّه فلم يزل به حتى رضي.
وقال يعقوب بن سفيان: حدّثنا سعيد بن منصور، حدثنا عون بن موسى، سمعت هلال بن خباب: جمع الحسن رءوس أهل العراق في هذا القصر «٣» - قصر المدائن- فقال:
إنكم قد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، وإني قد بايعت معاوية، فاسمعوا له وأطيعوا.
قال الواقديّ: حدثنا داود بن سنان، حدثنا ثعلبة بن أبي مالك، شهدت الحسن يوم مات ودفن في البقيع فرأيت البقيع ولو طرحت فيه إبرة ما وقعت إلا على رأس إنسان.
قال الواقديّ: مات سنة تسع وأربعين. وقال المدائنيّ: مات سنة خمسين. وقيل سنة إحدى وخمسين. وقال الهيثم بن عدي: سنة أربع وأربعين. وقال ابن مندة: مات سنة تسع وأربعين- وقيل خمسين. وقيل سنة ثمان وخمسين. ويقال: إنه مات مسموما.
قال ابن سعد أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق:
(١) منبج: بالفتح ثم السكون وباء موحدة وجيم بلد قديم كبير واسع بينه وبين الفرات ثلاثة فراسخ وإلى حلب عشرة فراسخ. انظر: مراصد الاطلاع ٣/ ١٣١٦.
(٢) النخيلة: تصغير نخلة: موضع قرب الكوفة على سمت الشام والنّخيلة أيضا ماء عن يمين الطريق قرب المغيثة والعقبة على سبعة أميال من جوى غربيّ واقصة بينها وبين الحفر ثلاثة أميال. انظر: مراصد الاطلاع ٣/ ١٣٦٦.
(٣) القصر: والمراد به البناء المشيد العالي وأصله الحبس لقوله تعالى: حور مقصورات في الخيام. أي محبوسات فيها، والقصر في مواضع كثيرة إلا أنه في الأعمّ الأغلب ينسب إليه، قصريّ، يترك الإضافة للطول. انظر: مراصد الاطلاع ٣/ ١٠٩٦.