فكتب الرجل بذلك إلى يزيد، فدعا يزيد مولى له يقال له سرحون فاستشاره، فقال له: ليس للكوفة إلا عبيد اللَّه بن زياد، وكان يزيد ساخطا على عبيد اللَّه، وكان همّ بعزله عن البصرة، فكتب إليه برضاه عنه، وأنه أضاف إليه الكوفة، وأمره أن يطلب مسلم بن عقيل، فإن ظفر به قتله.
فأقبل عبيد اللَّه بن زياد وفي وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثّما، فلا يمر على أحد فيسلم إلا قال له أهل المجلس: عليك السّلام يا ابن رسول اللَّه، يظنونه الحسين بن علي قدم عليهم فلما نزل عبيد اللَّه القصر دعا مولى له فدفع إليه ثلاثة آلاف درهم، فقال:
اذهب حتّى تسأل عن الرجل الّذي يبايعه أهل الكوفة فادخل عليه، وأعلمه أنك من حمص، وادفع إليه المال وبايعه، فلم يزل المولى يتلطّف حتى دلّوه على شيخ يلي البيعة، فذكر له أمره، فقال: لقد سرني إذ هداك اللَّه، وساءني أنّ أمرنا لم يستحكم. ثم أدخله على مسلم بن عقيل فبايعه ودفع له المال، وخرج حتى أتى عبيد اللَّه فأخبره، وتحول مسلم حين قدم عبيد اللَّه من تلك الدار إلى دار أخرى، فأقام عند هانئ بن عروة المرادي.
وكان عبيد اللَّه قال لأهل الكوفة: ما بال هانئ بن عروة لم يأتني؟ فخرج إليه محمد بن الأشعث في أناس من وجوه أهل الكوفة وهو على باب داره، فقالوا له: إن الأمير قد ذكرك واستبطأك، فانطلق إليه، فركب معهم حتى دخل على عبيد اللَّه بن زياد، وعنده شريح القاضي، فقال عبيد اللَّه لما نظر إليه لشريح: أتتك بحائن رجلاه.
فلما سلم عليه قال له: يا هانئ، أين مسلم بن عقيل؟ فقال له: لا أدري. فأخرج إليه المولى الّذي دفع الدراهم إلى مسلم، فلما رآه سقط في يده وقال: أيّها الأمير، واللَّه ما دعوته إلى منزلي، ولكنه جاء فطرح نفسه عليّ، فقال ائتني به، فتلكأ فاستدناه، فأدنوه منه، فضربه بالقضيب وأمر بحبسه. فبلغ الخبر قومه، فاجتمعوا على باب القصر، فسمع عبيد اللَّه الجلبة، فقال لشريح القاضي: اخرج إليهم فأعلمهم أنني ما حبسته إلا لأستخبره عن خبر مسلم، ولا بأس عليه منّي.
فبلغهم ذلك فتفرقوا، ونادى مسلم بن عقيل لما بلغه الخبر بشعاره، فاجتمع عليه أربعون ألفا من أهل الكوفة، فركب وبعث عبيد اللَّه إلى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر، فأمر كلّ واحد منهم أن يشرف على عشيرته فيردّهم، فكلّموهم فجعلوا يتسللون، فأمسى مسلم وليس معه إلا عدد قليل منهم.
فلما اختلط الظلام ذهب أولئك أيضا، فلما بقي وحده تردّد في الطرق بالليل، فأتي باب امرأة فقال: اسقيني ماء، فسقته فاستمر قائما، قالت: يا عبد اللَّه، إنك مرتاب، فما