وبلغ به الحرص على تحصيل العلم مبلغا جعله يستأجر أحيانا بعض الكتب، ويطلب إعارتها له، ويبرز في هذا المجال من بين شيوخه بدر الدين البشتكي الشّاعر المشهور الّذي أعاره جملة من الكتب منها كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني وغيره.
ويبدو من خلال الاستقراء أن فتورا حصل في نشاطه الثقافي استمر إلى أول سنة تسعين وسبعمائة، اشتغل في هذه المدة بالتجارة فنشأ في وسط نجاري لأن جده وأعمامه كانوا تجارا، وكان وصيه الخرّوبي رئيسا للتجار في مصر.
ولعل لموت الخرّوبي سنة ٧٨٧ هـ أثرا في فتور ابن حجر واشتغاله بالتجارة حيث فقد من كان يحثه على الاشتغال بالعلم، وهو في مرحلة يحتاج فيها إلى ذلك، كما ترتب عليه أن يكفل نفسه وينهض بأعباء الحياة، وقد يتضح ذلك من قول السخاوي، ولو وجد من يعتني به في صغره لأدرك خلقا ممن أخذ عن أصحابهم» .
في سنة ٧٩٠ هـ أكمل السّابعة عشرة من عمره، وحفظ فيها القرآن الكريم وكتبا من مختصرات العلوم، وقرأ القراءات تجويدا على الشهاب أحمد الخيوطي، وسمع صحيح البخاري على بعض المشايخ كما سمع من علماء عصره البارزين واهتم بالأدب والتاريخ.
وقد لازم حينئذ أحد أوصيائه العلامة شمس الدين محمد بن القطان المصري، وحضر دروسه في الفقه والعربيّة والحساب وغيرها، وقرأ عليه شيئا من الحاوي الصغير فأجاز له ثم درس ما جرت العادة على دراسته من أصل وفرع ولغة ونحوها وطاف على شيوخ الدراية.
ولما بلغ التاسعة عشرة من عمره نظر في فنون الأدب، ففاق أقرانه فيها حتى لا يكاد يسمع شعرا إلا ويستحضر من أين أخذ ناظمه، وطارح الأدباء.
وقال الشعر الرّائق والنثر الفائق، ونظم المدائح النبويّة والمقاطيع.
وتمثل سنة ٧٩٣ منعطفا ثقافيا في حياة ابن حجر، فمن هذه الثقافة العامة الواسعة، واجتهاده في الفنون التي بلغ فيها الغاية القصوى أحس بميل إلى التخصص فحبّب اللَّه إليه علم الحديث النبوي فأقبل عليه بكليته.
وأوضحت المصادر أن بداية طلبه الحديث كان في سنة ٧٩٣ هـ وغير أنه لم يكثر إلا في سنة ٧٩٦ هـ وكتب بخطه: «.... رفع الحجاب، وفتح الباب، وأقبل العزم المصمم على التحصيل، ووفق للهداية إلى سواء السّبيل» فكان أن تتلمذ على خيرة علماء عصره.
وكان شيخه في الحديث زين الدين العراقي الّذي لازمه عشر سنوات، وحمل عنه جملة نافعة من علم الحديث سندا ومتنا وعللا واصطلاحا، فقرأ عليه ألفيته وشرحها فنون