وتأمل في اللغة العامية، وفحص الظواهر التي تخضع لها، فاكتشف بعض قواعدها في الابدال والقلب والاشباع والقصر والمزاوجة والاتباع والامالة والادغام والفك والتعريب وما اليها. فرجع الى الكتب التي تحدثت عن هذه القواعد في اللغة الفصيحة. ودون ما توصل اليه من ظواهر عامية، وأمثالها في الفصحى، وقواعدها هنا وهناك. واكتفى في أحيان كثيرة بايراد أسماء الكتب التي تعرض لهذه الظواهر، ومواضع ذلك فيها. وعنى بالابدال خاصة. فتتبع كل حرف من حروف الألفباء، وذكر الحروف التي تبدل منه، والتي يبدل هو منها، وما يعتريه من تغييرات أخرى في الفصحى والعامية. فشغل هذا الباب منه أكثر مما شغلت بقية الأبواب مجتمعة. وجعل حديثه عن هذه القواعد مقدمة للمعجم. وهي مقدمة طويلة، لا أغلو حين أعدها كتابا، ولذلك رأيت أن تخرج في جزء مستقل عن المعجم.
ومنح شيئا من عنايته لأدب العامة. فتحدث - في المقدمة - عما أصدروا من فنون شعرية، وما توصلوا اليه من صناعة بلاغية، ومن ظهر بينهم من شعراء. فعل ذلك في ايجاز شديد.
ولكن هذه العناية اشتدت - في المعجم - بالعبارات الأدبية التي أصدروها. فسرت فيهم، وجرت على ألسنتهم: أمثالا، وحكما، ونصائح وملاحظات صادقة، ونداء على السلع، وما ماثلها.
كل ذلك يجعل من هذا المعجم أكبر كتاب في العامية المصرية: أكثرها ألفاظا، وأوسعها مجالا، وأشدها وصلا بين العامية المصرية واللغة الفصحى، وبين العامية المصرية وغيرها من العامية، وأشملها للجوانب المختلفة من اللغة العامية، وأحسنها تصويرا لها في مفرداتها وقواعدها وأدبها، وأقربها عهدا بنا، وأسهلها ترتيبا.
لا غرابة اذن أن نعتقد أن الكتاب جدير بالطبع. وشاءت الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر - مشكورة - أن تعهد الى اعداده لذاك. وتصورت الأمر يسيراً، فان لي بعض الدربة على التحقيق. ولكن دراسة ما خلفه المغفور له أحمد تيمور باشا بددت هذا التصور، وكشفت أن الأمر ليس تحقيقا مجردا، بل لا بد من عمل يضاف اليه.
فقد خصص المؤلف كراسين كبيرين للقواعد، وأفرد مجموعة من الأوراق لكل ظاهرة من الظواهر اللغوية التي تحدث عنها دون فيها ما عثر عليه من النصوص والأقوال والآراء التي يمكن أن تندرج تحتها. وبمرور الوقت، اكتشف ظواهر لم يفطن اليها في أول الأمر، فمنحها مجموعة