وكان هو وطرفة بن العبد يتنادمان مع عمرو بن هند ملك الحيرة وكان سيء الخلق شديده, وكان قد حرف من تميم مائة رجل فهجوه. وكان مما هجاه به المتلمس قوله:
إن الخيانه والمقالة والخنا ... والغدر تتركه ببلدة مفسدِ
ملك يلاعب أمه وقطينها ... رخو المفاصل بطنه كالمزودِ
فإذا غدوت فدون بتي غارة ... فابرق بأرضك ما بدا لك وارعدِ
وهجاه طرفة أيضا, فاستحيا أن يقتلهما بحضرته, وبينه وبينهما دلال المنادمة, فكتب لهما صحيفتين, وختمهما لئلا يعلما ما فيهما. وهو أول من ختم الكتاب, وقال لهما: اذهبا إلى عاملي بالبحرين فقد أمرته أن يصلكما بالجوائز. فذهبا فمرا في طريقهما بشيخ يحدّث ويأكل من خبز بيده, ويتناول القمل من ثيابه فيقصعه. فقال المتلمس: ما رأيت شيخا كاليوم أحمق من هذا. فقال الشيخ: ما رأيت من حمقي: أخرج الداء, وأدخل الدواء, وأقتل الأعداء. ويروى: أطرح خبيثا, وأدخل طيبا, وأقتل عدوا؛ أحمق والله مني من يحمل حتفه بيده. فاستراب المتلمس بقوله. فطلع عليهما غلام من أهل الحيرة من كتاب العرب. فقال له المتلمس: أتقرأ يا غلام؟ قال: نعم. ففك حينئذ الصحيفة فإذا فيها: إذا أتاك المتلمس فاقطع يده ورجليه وادفنه حيا. فقال لطرفة: ادفع إليه صحيفتك فإن فيها مثل هذا. فقال طرفة: كلا, لم يكن ليجترئ عليّ, وكان غرا صغير السن. فقذف المتلمس بصحيفته في نهر الحيرة وقال: