بدين الإسلام، وبما حدث فيه، وليس الغرض هنا تفصيل الأمور التي وقعت في الأمة، مما تضارع (١) طريق المغضوب عليهم أو الضالين، وإن كان بعض ذلك قد يقع مغفورا لصاحبه: إما لاجتهاد أخطأ فيه، وإما لحسنات محت السيئات، أو غير ذلك.
وإنما الغرض أن نبين ضرورة العبد وفاقته إلى هداية الصراط المستقيم، وأن ينفتح (٢) باب إلى معرفة الانحراف.
ثم إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب: من اعتقادات، وإرادات، وغير ذلك، وأمور ظاهرة: من أقوال، أو أفعال قد تكون عبادات، وقد تكون أيضا عادات في الطعام واللباس، والنكاح والمسكن، والاجتماع والافتراق، والسفر والإقامة، والركوب وغير ذلك.
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال، يوجب للقلب شعورا وأحوالا.
الأمر بمخالفة المغضوب عليهم والضالين في الهدي الظاهر
وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر (٣) وإن
(١) تضارع: أي تشابه، فالمضارعة هي المشابهة. انظر: مختار الصحاح، مادة (ض ر ع) ، (ص ٣٨٠) .
(٢) في المطبوعة زاد: لك.
(٣) الهدي الظاهر: هو ما يظهر من سلوك الإنسان وشكله، أو يحسه مَنْ حوله من أنماط السلوك والتصرفات القولية والعملية كالأكل، والشرب، والكلام، واللباس، والتعامل مع الآخرين، وممارسة الحياة العملية، والتعبير عنها.
أما الهدي الباطن فهو ما لا يدرك بالحواس: من النوايا والاعتقادات والأفكار ونحوها، ما لم يعبر عنها بقول أو فعل.