وَقد سمعتهما من أشياخنا الْأَئِمَّة مرَّات، ورأيتهما بِخَط وَالِدي قدّس سرّه فِي مَوَاضِع من تقاييده، وسمعتهما مِنْهُ غير مرَّة، وَقَالَ لي إِنَّه قالهما لما قُرئ عَلَيْهِ كتاب الْقَامُوس:
(مُذْ مَدّ مَجْدُ الدِّينِ فِي أَيَّامِهِ ... مِنْ بعْضِ أَبْحُرِ عِلْمِهِ القَامُوسَا)
(ذَهَبَتْ صَحَاحُ الجَوْهَرِيِّ كأَنَّها ... سِحْرُ المدائِن حِينَ أَلْقَى مُوسَى)
وَفِي بعض الرِّوَايَات " وَاحِد عصره " بدل " فِي أَيَّامه " و " فيض " بدل " بعض " و " أضحت " بدل " ذهبت ". قلت: وَمثله أنشدنا الأديب البارع عُثْمَان بن عليٍّ الجبيلي الزَّبيدي والفقيه المفنّن عبد الله بن سُليمان الجرهزِي الشَّافِعِي إِلَّا أَنَّهُمَا نسباهما إِلَى الإِمَام شهَاب الدّين الردّاد، أنشدهما لما قُرئ عَلَيْهِ الْقَامُوس، وَنَصّ إنشادهما.
(مُذْ مَدّ مجدُ الدّين فِي أرجَائنا ... )
وَفِي " القاموسا " و " ألْقى مُوسَى " جناس تَامّ، وَقد استظرَفَت أديبة عَصْرِها زَيْنَب بنت أَحْمد بن مُحَمَّد الحسنية المتوفاة بشهارة سنة ١١١٤ إِذْ كتبت إِلَى السَّيِّد مُوسَى بن المتَوَكل تطلب مِنْهُ الْقَامُوس فَقَالَت:
(مَوْلَاي مُوسَى بالذِي سَمَكَ السَّمَا ... وبِحَقِّ مَنْ فِي اليَمِّ أَلْقَى مُوسَى)
(أُمْنُنْ عليّ بِعَارَةٍ مَرْدُودَةٍ ... واسْمَح بفضْلِك وابْعَثِ القَامُوسَا)
قَالَ شَيخنَا: وَقد رَدّ على القَوْل الأوّل أديبُ الشأْم وصُوفِيّه شيخ مَشَايِخنَا العلاّمة عبدُ الْغَنِيّ بن إِسْمَاعِيل الكِناني الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِابْن النابُلسي، قدس سره، كَمَا أسمعنا غيرُ واحدٍ من مَشَايِخنَا الْأَعْلَام عَنهُ:
(مَنْ قَال قَدْ بَطَلَتْ صِحَاحُ الجَوْهَرِي ... لَمَا أَتى القَامُوسُ فَهْوَ المُفْتَرِي)
(قُلْتُ اسْمُه القَامُوسُ وَهْوَ البَحْرُ إنْ ... يَفْخَرْ فَمُعْظَمُ فَخْرِه بالجَوْهَرِي)
(قلت) وأصل ذَلِك قَول أبي عبد الله رَحمَه الله: