(فَلَوْ كَانَ يَفْنَى الشِّعْرُ أَفْنَاهُ مَا قَرَتْ ... حِيَاضُك مِنْهُ فِي العُصُورِ الذَّوَاهِبِ)
(ولكِنَّه صَوْبُ العُقُول إِذا انْجَلَتْ ... سَحَائبُ مِنْهُ أُعْقِبَتْ بِسَحَائبِ)
ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي كَانَ يرجِّحه شيخُنا الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشاذلي رَضِي الله عَنهُ، ويستبعد الأوّلَ وَيَقُول: يقبح أَن يتَمَثَّل بِهِ أوّلاً صَرِيحًا ثمَّ يُشِير إِلَيْهِ ثَانِيًا تَقْديرا وتلويحاً، وَهُوَ فِي غَايَة الوضوح لِأَنَّهُ يُؤدّي إِلَى التَّنَاقُض الظَّاهِر، وارتضاه شَيخنَا الإِمَام ابْن المسناويّ، وَعَلِيهِ كَانَ يقْتَصر الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ الوجاري، رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ. والفقرة فِيهَا الْتِزَام مَا لَا يلْزم (وَلَو لم أَخْشَ) قَالَ الرَّاغِب: الخشية: خوفٌ يشوبه تَعظيم، وَأكْثر مَا يكون ذَلِك عَن علمٍ مِمَّا يخْشَى مِنْهُ. وَسَيَأْتِي مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي مادّته (مَا يَلْحق المُزَكِّيَ نَفْسَه) تزكيةُ الشَّاهِد: تطهيرُه من عوارض القَدْح، أَو تَقْوِيتُه وتأْييده بِذكر أَوْصَافه الجميلة الدّالَّة على عَدَالَته، وَيُقَال: تزكيةُ النفسِ ضَرْبَان:
فِعْلِيَّة، وَهِي محمودة ممدوحة شرعا، كَقَوْلِه تَعَالَى {قد أَفْلح من زكاها} بِأَن يحملهَا على الاتصاف بكامل الْأَوْصَاف.
وقوْلِيَّةِ، وَهِي مذمومة، كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} أَي بثنائِكم عَلَيْهَا وافتخارِكم بأفعالكم، وَأنْشد ابْن التلمساني:
(دَعْ مَدْحَ نَفْسِكَ إنْ أَرَدْتَ زَكَاءَهَا ... فَبِمَدْحِ نَفْسِكَ عَنْ مَقَامِكَ تَسْقُطُ)
(مَا دُمْتَ تَخْفِضُهَا يَزِيدُ عَلاؤُهَا ... والعَكْسُ فَانْظُرْ أَيُّ ذَلِك أَحْوَطُ)
(من المَعَرّة) أَي الْإِثْم وَالْعَيْب أَو الْخِيَانَة، وَسَيَأْتِي فِي مادّته مُطوَّلاً، وسبقت إِلَيْهِ الْإِشَارَة فِي الْخطْبَة (والدَّمَان) هُوَ بِالْفَتْح، وَاخْتلف الشُّرَّاح والمحشُّون فِي مَعْنَاهُ، وَقَالَ بَعضهم: بل هُوَ الذَّان، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، بِمَعْنى