.. وعلمت مَا يخشى المودع ... عند ضمك واعتناقك
فتركت ذاك تعمدا ... وخرجت أهرب من فراقك ...
وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... أفي كل يوم حية البين تقرع ... وعيني لبين من ذوي الود تدمع
فلا النفس من تهيامها مستفيقة ... ولا بالذي يأتي به الدهر تقنع ...
وأنشدني مُحَمَّد بْن بندار بْن أصرم ... أيا قلب لا تجزع من البين واصطبر ... فليس لما يقضى عليك بدافع
توكل على الرحمن إن كنت مؤمنا ... يجرك ودعني من نحوس الطوالع
وكل الذي قد قدر اللَّه واقع ... وما لم يقدره فليس بواقع ...
وأنشدني عَبْد الرحمن بْن يَحْيَى بْن حبيب الأندلسي لنفسه ... نطقت مدامعه بما في قلبه ... وعن الجواب لسانه لا ينطق
فكأنه مما يقاسي قلبه ... دنف مريض أو أسير موثق
وكأنما الأشجان في أحشائه ... لفراق أهل الود نار تحرق
كيف السلو وهل له من سلوة ... من بان عَن أحبابه يتفرق ...
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه السبب المؤدي إلى إظهار الجزع عند فراق المتواخين هو ترك الرضا بما يوجب القضاء ثم ورود الشيء على مضمر الحشا بعدما انطوى عَلَيْهِ قديما فمن وطن نفسه في ابتداء المعاشرة على ورود ضد الجميل عليها من صحبته وتأمل ورود المكروه منه على غفلته لا يظهر الجزع عند الفراق ولا يشكو الأسف والاحتراق إلا بمقدار مَا يوجب العلم إظهاره
ولقد أولع بجماعه الفراق حتى إنهم خرجوا إلى ثلب الطيور ومدح الدمن وتأولوا لعن نوح عَلَيْهِ السلام الغراب