مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ؛ قرأَ أَبو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ وأَبو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ
، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلِيٍّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ ومَن عَبَدَ الطاغوتَ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قَوْلُهُ: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ
، نَسَقٌ عَلَى مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ؛ الْمَعْنَى مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَمَنْ عبَدَ الطاغوتَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ وتأْويلُ عبدَ الطاغوتَ أَي أَطاعه يَعْنِي الشيطانَ فِيمَا سَوّلَ لَهُ وأَغواه؛ قَالَ: والطاغوتُ هُوَ الشَّيْطَانُ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ
؛ أَي نُطِيعُ الطاعةَ الَّتِي يُخْضَعُ مَعَهَا، وَقِيلَ: إِياك نُوَحِّد، قَالَ: وَمَعْنَى العبادةِ فِي اللُّغَةِ الطاعةُ مَعَ الخُضُوعِ، وَمِنْهُ طريقٌ مُعَبَّدٌ إِذا كَانَ مُذَلَّلًا بِكَثْرَةِ الوطءِ. وقرأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّاب والأَعمش وَحَمْزَةُ: وعَبُدَ الطاغوتِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَا أَعلم لَهُ وَجْهًا إِلا أَن يَكُونَ عَبُدَ بِمْنْزِلَةِ حَذُرٍ وعَجُلٍ. وَقَالَ نَصْرٌ الرَّازِيُّ: عَبُدَ وَهِمَ مَنْ قرأَه وَلَسْنَا نَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْعَرَبِيَّةِ. قَالَ اللَّيْثُ: وعَبُدَ الطاغوتُ مَعْنَاهُ صَارَ الطاغوتُ يُعْبَدُ كَمَا يُقَالُ ظَرُفَ الرَّجُلُ وفَقُه؛ قَالَ الأَزهري: غَلِطَ اللَّيْثُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتَّفْسِيرِ، مَا قرأَ أَحد مِنْ قرَّاء الأَمصار وَغَيْرِهِمْ وعَبُدَ الطاغوتُ، بِرَفْعِ الطَّاغُوتِ، إِنما قرأَ حَمْزَةُ وعَبُدَ الطاغوتِ وَهِيَ مَهْجُورَةٌ أَيضاً؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وقرأَ بَعْضُهُمْ وعَبُدَ الطاغوتِ وأَضافه؛ قَالَ: وَالْمَعْنَى فِيمَا يُقَالُ خَدَمُ الطاغوتِ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِجَمْعٍ لأَن فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى فَعُلٍ مِثْلَ حَذُرٍ ونَدُسٍ، فِيَكُونُ الْمَعْنَى وخادِمَ الطاغوتِ؛ قَالَ الأَزهري: وَذَكَرَ اللَّيْثُ أَيضاً قِرَاءَةً أُخرى مَا قرأَ بِهَا أَحد قَالَ وَهِيَ: وَعَابِدُو الطاغوتِ جَمَاعَةٌ؛ قَالَ: وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقِرَاآتِ، وَكَانَ نَوْلُه أَن لَا يَحكي القراآتِ الشاذَّةَ وَهُوَ لَا يَحْفَظُهَا، وَالْقَارِئُ إِذا قرأَ بِهَا جَاهِلٌ، وَهَذَا دَلِيلُ أَن إِضافته كِتَابَهُ إِلى الْخَلِيلِ بْنِ أَحمد غَيْرُ صَحِيحٍ، لأَن الْخَلِيلَ كَانَ أَعقل مِنْ أَن يُسَمِّيَ مِثْلَ هَذِهِ الْحُرُوفِ قِرَاآتٍ فِي الْقُرْآنِ وَلَا تَكُونُ مَحْفُوظَةً لِقَارِئٍ مَشْهُورٍ مِنْ قُرَّاءِ الأَمصار، ونسأَل اللَّهَ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وقُرِئَ وعُبُدَ الطاغوتِ جماعةُ عابِدٍ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ جَمْعُ عَبيدٍ كَرَغِيفٍ ورُغُف؛ وَرُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنه قرأَ: وعُبْدَ الطاغوتِ، بإِسكان الْبَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ، وَقُرِئَ وعَبْدَ الطاغوتِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحدهما أَن يَكُونَ مُخَفَفًا مِنْ عَبُدٍ كَمَا يُقَالُ فِي عَضُدٍ عَضْدٌ، وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ عَبْدَ اسْمُ الْوَاحِدِ يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ وَيَجُوزُ فِي عَبْدٍ النَّصْبَ وَالرَّفْعَ، وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَن أُبَيًّا وَعَبْدَ اللَّهِ قَرَآ: وعَبَدوا الطاغوتَ؛ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنه قرأَ: وعُبَّادَ الطاغوتِ، وَبَعْضُهُمْ: وعابِدَ الطاغوتِ؛ قَالَ الأَزهري: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وعُبِّدَ الطاغوتُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيضاً: وعُبَّدَ الطاغوتِ، وَمَعْنَاهُ عُبَّاد الطاغوتِ؛ وَقُرِئَ: وعَبَدَ الطاغوتِ، وَقُرِئَ: وعَبُدَ الطاغوتِ. قَالَ الأَزهري: وَالْقِرَاءَةُ الْجَيِّدَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ عِنْدِي غَيْرُهَا هِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ الَّتِي بِهَا قرأَ الْقُرَّاءُ الْمَشْهُورُونَ، وعَبَدَ الطاغوتَ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي بَيَّنْتُهُ أَوّلًا؛ وأَما قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَر:
أَبَنِي لُبَيْنَى، لَسْتُ مُعْتَرِفاً، ... لِيَكُونَ أَلأَمَ مِنْكُمُ أَحَدُ
أَبَني لُبَيْنى، إِنَّ أُمَّكُمُ ... أَمَةٌ، وإِنَّ أَباكُمُ عَبُدُ
فإِنه أَراد وإِن أَباكم عَبْد فَثَقَّل لِلضَّرُورَةِ، فَقَالَ عَبُدُ لأَن الْقَصِيدَةَ مِنَ الْكَامِلِ وَهِي حَذَّاء. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ
؛ أَي دَائِنُونَ. وكلُّ مَنْ دانَ لِمَلِكٍ فَهُوَ عَابِدٌ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: فُلَانٌ عَابِدٌ