فَقَالَ: وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عهدِه، وَيَكُونُ الْكَلَامُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ مُنْتَظِمًا فِي سِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ شَيْءٍ مَحْذُوفٍ؛ وأَما أَبو حَنِيفَةَ فإِنه خَصَّصَ الكافرَ فِي الْحَدِيثِ بالحرْبيِّ دُونَ الذِّمِّي، وَهُوَ بِخِلَافِ الإِطلاق، لأَن مِنْ مَذْهَبِهِ أَن الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ فَاحْتَاجَ أَن يُضْمِرَ فِي الْكَلَامِ شَيْئًا مُقَدَّرًا ويجعلَ فِيهِ تَقْدِيمًا وتأْخيراً فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ أَي لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ مُعَاهَدٌ بِكَافِرٍ، فإِن الكافرَ قَدْ يَكُونُ مُعَاهَدًا وَغَيْرَ مُعَاهَدٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَن قَتَلَ مُعَاهَداً مُعَاهِداً لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلَا عَدلًا
؛ يَجُوزُ أَن يَكُونَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ بِالْفَتْحِ أَشهر وأَكثر. والمعاهدُ: مَن كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ، وأَكثر مَا يُطْلَقُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَهل الذِّمَّةِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ إِذا صُولحوا عَلَى تَرْكِ الْحَرْبِ مدَّة مَا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَا يَحِلُّ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهد
أَي لَا يَجُوزُ أَن تُتَمَلَّك لُقَطَتُه الْمَوْجُودَةُ مِنْ مَالِهِ لأَنه مَعْصُومُ الْمَالِ، يُجْرِي حُكْمُهُ مَجْرَى حُكْمِ الذِّمِّيِّ. وَالْعَهْدُ: الِالْتِقَاءُ. وعَهِدَ الشيءَ عَهْداً: عرَفه؛ وَمِنَ العَهْدِ أَن تَعْهَدَ الرجلَ عَلَى حَالٍ أَو فِي مَكَانٍ، يُقَالُ: عَهْدِي بِهِ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَفِي حَالِ كَذَا، وعَهِدْتُه بِمَكَانِ كَذَا أَي لَقِيتُه وعَهْدِي بِهِ قَرِيبٌ؛ وَقَوْلُ أَبي خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ:
وَلَمْ أَنْسَ أَياماً لَنا ولَيالِياً ... بِحَلْيَةَ، إِذْ نَلْقَى بِهَا مَا نُحاوِلُ
فَلَيْسَ كعَهْدِ الدارِ، يَا أُمَّ مالِكٍ، ... ولكِنْ أَحاطَتْ بالرِّقابِ السَّلاسِلُ
أَي لَيْسَ الأَمر كَمَا عَهِدْتِ وَلَكِنْ جَاءَ الإِسلامُ فَهَدَمَ ذَلِكَ، وأَراد بِالسَّلَاسِلِ الإِسلامَ وأَنه أَحاط بِرِقَابِنَا فَلَا نسْتَطِيعُ أَن نَعْمَلَ شَيْئًا مَكْرُوهًا. وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: وَلَا يَسْأَلُ عمَّا عَهِدَ
أَي عَمَّا كَانَ يَعْرِفُه فِي الْبَيْتِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَنَحْوِهِمَا لِسَخَائِهِ وَسِعَةِ نَفْسِهِ. والتَّعَهُّدُ: التَّحَفُّظُ بِالشَّيْءِ وتجديدُ العَهْدِ بِهِ، وَفُلَانٌ يَتَعَهَّدُه صَرْعٌ. والعِهْدانُ: العَهْدُ. والعَهْدُ: مَا عَهِدْتَه فَثافَنْتَه. يُقَالُ: عَهْدِي بِفُلَانٍ وَهُوَ شابٌّ أَي أَدركتُه فرأَيتُه كَذَلِكَ؛ وَكَذَلِكَ المَعْهَدُ. والمَعْهَدُ: الموضعُ كنتَ عَهِدْتَه أَو عَهِدْت هَوىً لَكَ أَو كنتَ تَعْهَدُ بِهِ شَيْئًا، والجمعُ المَعَاهِدُ. والمُعاهَدَةُ والاعْتِهادُ والتعاهُدُ والتَّعَهُّدُ وَاحِدٌ، وَهُوَ إِحداثُ العَهْدِ بِمَا عَهِدْتَه. وَيُقَالُ لِلْمُحَافَظِ عَلَى العَهْدِ: مُتَعَهِّدٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي عَطَاءٍ السِّنْدِيِّ وَكَانَ فَصِيحًا يَرْثِي ابْنَ هُبَيرَة:
وإِنْ تُمْسِ مَهْجُورَ الفِناءِ فَرُبَّما ... أَقامَ بِهِ، بَعْدَ الوُفُودِ، وُفُودُ
فإِنَّكَ لَمْ تَبْعُدْ عَلَى مُتعَهِّدٍ، ... بَلى كلُّ مَنْ تَحْتَ التُّرابِ بعِيدُ
أَراد: مُحَافِظٌ عَلَى عَهْدِكَ بِذِكْرِه إِياي «٢». وَيُقَالُ: مَتَى عَهْدُكَ بِفُلَانٍ أَي مَتَى رُؤْيَتُك إِياه. وعَهْدُه: رؤيتُه. والعَهْدُ: المَنْزِلُ الَّذِي لَا يَزَالُ الْقَوْمُ إِذا انْتَأَوْا عَنْهُ رَجَعُوا إِليه، وَكَذَلِكَ المَعْهَدُ. والمعهودُ: الَّذِي عُهِدَ وعُرِفَ. والعَهْدُ: الْمَنْزِلُ المعهودُ بِهِ الشَّيْءُ، سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
هَلْ تَعْرِفُ العَهْدَ المُحِيلَ رَسْمُه
وتعَهَّدَ الشَّيْءَ وتَعَاهَدَه واعْتَهَدَه: تَفَقَّدَهُ وأَحْدَثَ العَهْدَ به؛ قال الطرماح:
(٢). قوله بذكره إياي كذا بالأَصل ولعله بذكره إياه