قَالَ: هَذَا أَصعب مسأَلة فِي الْقُرْآنِ إِذا قَالَ الْقَائِلُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي مُنَادَاةِ الْحَسْرَةِ، وَالْحَسْرَةُ مِمَّا لَا يُجِيبُ؟ قَالَ: وَالْفَائِدَةُ فِي مُنَادَاتِهَا كَالْفَائِدَةِ فِي مُنَادَاةِ مَا يَعْقِلُ لأَن النِّدَاءَ بَابُ تَنْبِيهٍ، إِذا قُلْتَ يَا زَيْدُ فإِن لَمْ تَكُنْ دَعَوْتَهُ لِتُخَاطِبَهُ بِغَيْرِ النِّدَاءِ فَلَا مَعْنَى لِلْكَلَامِ، وإِنما تَقُولُ يَا زَيْدُ لِتُنَبِّهَهُ بِالنِّدَاءِ، ثُمَّ تَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا، أَلا تَرَى أَنك إِذا قُلْتَ لِمَنْ هُوَ مُقْبِلٌ عَلَيْكَ: يَا زَيْدُ، مَا أَحسن مَا صَنَعْتَ؛ فَهُوَ أَوكد مِنْ أَن تَقُولَ لَهُ: مَا أَحسن مَا صَنَعْتَ، بِغَيْرِ نِدَاءٍ؛ وَكَذَلِكَ إِذا قُلْتَ للمخاطَب: أَنا أَعجب مِمَّا فَعَلْتَ، فَقَدْ أَفدته أَنك مُتَعَجِّبٌ، وَلَوْ قُلْتَ: وا عجباه مِمَّا فَعَلْتَ، وَيَا عَجَبَاهُ أَن تَفْعَلَ كَذَا كَانَ دعاؤُك العَجَبَ أَبلغ فِي الْفَائِدَةِ، وَالْمَعْنَى يَا عَجَبًا أَقبل فإِنه مِنْ أَوقاتك، وإِنما النِّدَاءُ تَنْبِيهٌ للمتعجَّب مِنْهُ لَا لِلْعَجَبِ. والحَسْرَةُ: أَشدَّ النَّدَمِ حَتَّى يَبْقَى النَّادِمُ كالحَسِيرِ مِنَ الدَّوَابِّ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ
؛ أَي حَسْرَةً وَتَحَسُّرًا. وحَسَرَ البحرُ عَنِ العِراقِ والساحلِ يَحْسُرُ يَحْسِرُ: نَضَبَ عَنْهُ حَتَّى بَدَا مَا تَحْتَ الْمَاءِ مِنَ الأَرض. قَالَ الأَزهري: وَلَا يُقَالُ انْحَسَرَ البحرُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَقُومُ الساعة حتى يَحْسُرُ يَحْسِرُ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ
؛ أَي يَكْشِفَ. يُقَالُ: حَسَرْتُ الْعِمَامَةَ عَنْ رأْسي وَالثَّوْبَ عَنْ بَدَنِي أَي كَشَفْتُهُمَا؛ وأَنشد:
حَتَّى يقالَ حاسِرٌ وَمَا حَسَرْ
وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: حَسَرَ الماءُ ونَضَبَ وجَزَرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ فِي الحُسُورِ بِمَعْنَى الِانْكِشَافِ:
إِذا مَا القَلاسِي والعَمائِمُ أُخْنِسَتْ، ... فَفِيهنَّ عَنْ صُلْعِ الرجالِ حُسُورُ
قَالَ الأَزهري: وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
كَجَمَلِ الْبَحْرِ، إِذا خاضَ جَسَرْ ... غَوارِبَ اليَمِّ إِذا اليَمُّ هَدَرْ،
حَتَّى يقالَ: حاسِرٌ وَمَا حَسَرْ «١»
. يَعْنِي الْيَمَّ. يُقَالُ: حاسِرٌ إِذا جَزَرَ، وَقَوْلُهُ إِذا خَاضَ جَسَرَ، بِالْجِيمِ، أَي اجترأَ وَخَاضَ مُعْظَمَ الْبَحْرِ وَلَمْ تَهُلْهُ اللُّجَجُ. وَفِي حَدِيثِ
يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ: مَا مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا مَلَكٌ يَحْسِرُ عَنْ دوابِّ الغُزاةِ الكَلالَ
أَي يَكْشِفُ، وَيُرْوَى: يَحُسُّ، وسيأْتي ذِكْرُهُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: ابْنُوا المساجدَ حُسَّراً فإِن ذَلِكَ سِيَّمَا الْمُسْلِمِينَ
؛ أَي مَكْشُوفَةَ الجُدُرِ لَا شُرَفَ لَهَا؛ وَمِثْلُهُ حَدِيثِ
أَنس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ابْنُوا الْمَسَاجِدَ جُمّاً.
وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: فأَخذتُ حَجَراً فَكَسَرْتُهُ وحَسَرْتُه
؛ يُرِيدُ غُصْنًا مِنْ أَغصان الشَّجَرَةِ أَي قَشَرْتُهُ بِالْحَجَرِ. وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عرا، عِنْدَ قَوْلِهِ جَارِيَةٌ حَسَنَةُ المُعَرَّى وَالْجَمْعُ المَعارِي، قَالَ: والمَحاسِرُ مِنَ المرأَة مِثْلُ المَعارِي. قَالَ: وَفَلَاةٌ عَارِيَةُ الْمَحَاسِرِ إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِنٌّ مِنْ شَجَرٍ، ومَحاسِرُها: مُتُونُها الَّتِي تَنْحَسِرُ عَنِ النَّبَاتِ. وانْحَسَرتِ الطَّيْرُ: خَرَجَتْ مِنَ الرِّيشِ الْعَتِيقِ إِلى الْحَدِيثِ. وحَسَّرَها إِبَّانُ ذَلِكَ: ثَقَّلَها، لأَنه فُعِلَ فِي مُهْلَةٍ. قَالَ الأَزهري: وَالْبَازِي يَكْرِزُ للتَّحْسِيرِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْجَوَارِحِ تَتَحَسَّرُ. وتَحَسَّر الوَبَرُ عَنِ الْبَعِيرِ والشعرُ عَنِ الْحِمَارِ إِذا سَقَطَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
تَحَسَّرَتْ عِقَّةٌ عَنْهُ فَأَنْسَلَها، ... واجْتَابَ أُخْرَى حَدِيداً بعدَ ما ابْتَقَلا
وتَحَسَّرَتِ النَّاقَةُ وَالْجَارِيَةُ إِذا صَارَ لَحْمُهَا فِي مواضعه؛
(١). قوله: كجمل البحر إلخ الجمل؛ بالتحريك: سمكة طولها ثلاثون ذراعاً