قَالَ الأَزهري: وَقَدْ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا فَسَّرَهُ أَبو عُبَيْدٍ فَظَنَنْتُ أَن أَبا عُبَيْدٍ حَكَى كَلَامَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى نَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَمِّ الدَّهْرِ وَسَبِّهِ أَي لَا تَسُبُّوا فَاعِلَ هَذِهِ الأَشياء فإِنكم إِذا سَبَبْتُمُوهُ وَقَعَ السَّبُّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لأَنه الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الرِّوَايَةِ الأُولى: فإِن جَالِبَ الْحَوَادِثِ وَمُنْزِلُهَا هُوَ اللَّهُ لَا غَيْرُ، فَوَضَعَ الدَّهْرَ مَوْضِعَ جَالِبِ الْحَوَادِثِ لِاشْتِهَارِ الدَّهْرِ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ، وَتَقْدِيرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: فإِن اللَّهَ هُوَ الْجَالِبُ لِلْحَوَادِثِ لَا غَيْرُ رَدًّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَن جَالِبَهَا الدَّهْرُ. وعامَلَهُ مُدَاهَرَةً ودِهاراً: مِنَ الدَّهْرِ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَكَذَلِكَ اسْتَأْجَرَهُ مُدَاهَرَةً ودِهاراً؛ عَنْهُ. الأَزهري: قَالَ الشَّافِعِيُّ الحِيْنُ يَقَعُ عَلَى مُدَّةِ الدُّنْيَا، وَيَوْمٌ؛ قَالَ: وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ لِلْحِينِ غَايَةً، وَكَذَلِكَ زَمَانٌ وَدَهْرٌ وأَحقاب، ذُكِرَ هَذَا فِي كِتَابِ الإِيمان؛ حَكَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْهُ. وَقَالَ شِمْرٌ: الزَّمَانُ وَالدَّهْرُ وَاحِدٌ؛ وأَنشد:
إِنَّ دَهْراً يَلُفُّ حَبْلِي بِجُمْلٍ ... لَزَمَانٌ يَهُمُّ بالإِحْسانِ
فَعَارَضَ شِمْرًا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ وخطَّأَه فِي قَوْلِهِ الزَّمَانُ وَالدَّهْرُ وَاحِدٌ وَقَالَ: الزَّمَانُ زَمَانُ الرُّطَبِ وَالْفَاكِهَةِ وَزَمَانُ الْحَرِّ وَزَمَانُ الْبَرْدِ، وَيَكُونُ الزَّمَانُ شَهْرَيْنِ إِلى سِتَّةِ أَشهر وَالدَّهْرُ لَا يَنْقَطِعُ. قَالَ الأَزهري: الدَّهْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ يَقَعُ عَلَى بَعْضِ الدَّهْرِ الأَطول وَيَقَعُ عَلَى مُدَّةِ الدُّنْيَا كُلِّهَا. قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ: أَقمنا عَلَى مَاءِ كَذَا وَكَذَا دَهْرًا، وَدَارُنَا الَّتِي حَلَلْنَا بِهَا تَحْمِلُنَا دَهْرًا، وإِذا كَانَ هَذَا هَكَذَا جَازَ أَن يُقَالَ الزَّمَانُ وَالدَّهْرُ وَاحِدٌ فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى. قَالَ: وَالسَّنَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَربعة أَزمنة: رَبِيعٌ وَقَيْظٌ وَخَرِيفٌ وَشِتَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ أَن يُقَالَ: الدَّهْرُ أَربعة أَزمنة، فَهُمَا يَفْتَرِقَانِ.
وَرَوَى الأَزهري بِسَنَدِهِ عَنْ أَبي بَكْرٍ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: أَلا إِنَّ الزمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يومَ خَلَق اللهُ السماواتِ والأَرضَ، السنةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، أَربعةٌ مِنْهَا حُرُمٌ: ثلاثَةٌ مِنْهَا متوالياتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ مُفْرَدٌ
؛ قَالَ الأَزهري: أَراد بِالزَّمَانِ الدَّهْرَ. الْجَوْهَرِيُّ: الدَّهْرُ الزَّمَانُ. وَقَوْلُهُمْ: دَهْرٌ دَاهِرٌ كَقَوْلِهِمْ أَبَدٌ أَبِيدٌ، وَيُقَالُ: لَا آتِيكَ دَهْرَ الدَّاهِرِين أَي أَبداً. وَرَجُلٌ دُهْرِيٌّ: قَدِيمٌ مُسِنٌّ نُسِبَ إِلى الدَّهْرِ، وَهُوَ نَادِرٌ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: فإِن سُمِّيَتْ بِدَهْرٍ لَمْ تَقُلْ إِلَّا دَهْرِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ. وَرَجُلٌ دَهْرِيٌّ: مُلْحِدٌ لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ، يَقُولُ بِبَقَاءِ الدَّهْرِ، وَهُوَ مولَّد. قَالَ ابْنُ الأَنباري: يُقَالُ فِي النِّسْبَةِ إِلى الرَّجُلِ الْقَدِيمِ دَهْرِيٌّ. قَالَ: وإِن كَانَ مَنْ بَنِي دَهْرٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ قُلْتُ دُهْرِيٌّ لَا غَيْرُ، بِضَمِّ الدَّالِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَهُمَا جَمِيعًا مَنْسُوبَانِ إِلى الدَّهْرِ وَهُمْ رُبَّمَا غَيَّرُوا فِي النَّسَبِ، كَمَا قَالُوا سُهْلِيٌّ لِلْمَنْسُوبِ إِلى الأَرض السَّهْلَةِ. والدَّهارِيرُ: أَوّل الدَّهْرِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَلَا وَاحِدَ لَهُ؛ وأَنشد أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ لِرَجُلٍ مِنْ أَهل نَجْدٍ، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ لِعثْيَر «١». بْنِ لَبِيدٍ العُذْرِيِّ، قَالَ وَقِيلَ هُوَ لِحُرَيْثِ بْنِ جَبَلَةَ العُذْري:
فاسْتَقْدِرِ اللهَ خَيْراً وارْضَيَنَّ بهِ، ... فَبَيْنَما العُسْرُ إِذ دَارَتْ مَيَاسِيرُ
وَبَيْنَمَا المَرْءُ فِي الأَحياءِ مُغْتَبَطٌ، ... إِذا هُوَ الرَّمْسُ تَعْفُوهُ الأَعاصِيرُ
يَبْكِي عَلَيْهِ غَرِيبٌ لَيْسَ يَعْرِفُهُ، ... وذُو قَرَابَتهِ فِي الحَيِّ مَسْرُورُ
(١). قوله: هو لعثير الخ وقيل لابن عيينة المهلبي، قاله صاحب القاموس في البصائر كذا بخط السيد مرتضى بهامش الأصل