ذَلِكَ عَلَى التَّشْبِيهِ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِبَعْضِ المُحَبَّسِينَ كَانَ مَحْبُوساً فمُسْمِعاهُ قَيْدَاهُ لِصَوْتِهِمَا إِذا مَشَى، وزَمَّارَتُه السَّاجُورُ وَالظِّلُّ، وَالْحِصْنُ السِّجْنُ وَظُلْمَتُهُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ جُبَيْرٍ: أَنه أَتى بِهِ الْحَجَّاجُ وَفِي عُنُقِهِ زَمَّارَةٌ
؛ الزَّمَّارَةُ الغُلُّ وَالسَّاجُورُ الَّذِي يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْكَلْبِ. ابْنُ سِيدَهْ: والزَّمَّارَةُ عَمُودٌ بَيْنَ حَلْقَتَيِ الْغُلِّ. والزِّمارُ بِالْكَسْرِ: صَوْتُ النَّعَامَةِ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: صَوْتُ النَّعَامِ. وزَمَرَتِ النعامةُ تَزْمِرُ زِماراً: صَوَّتَتْ. وَقَدْ زَمَرَ النعامُ يَزْمِرُ، بِالْكَسْرِ، زِماراً. وأَما الظَّلِيمُ فَلَا يُقَالُ فِيهِ إِلَّا عارَّ يُعارُّ. وزَمَرَ بِالْحَدِيثِ: أَذاعه وأَفشاه. والزَّمَّارَةُ: الزَّانِيَةُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَقَالَ: لأَنها تُشِيعُ أَمرها. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ كَسْبِ الزَّمَّارَةِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ الْحَجَّاجُ: الزَّمَّارَةُ الزَّانِيَةُ، قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما هِيَ الرَّمَّازَةُ، يتقديم الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ، مِنَ الرَّمْزِ، وَهِيَ الَّتِي تُومِئُ بِشَفَتَيْهَا وَبِعَيْنَيْهَا وَحَاجِبَيْهَا، وَالزَّوَانِي يَفْعَلْنَ ذَلِكَ، والأَول الْوَجْهُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هِيَ الزَّمَّارَةُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: واعترض القتيب عَلَى أَبي عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ هِيَ الزَّمَّارة كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الصَّوَابُ الرَّمَّازَة لأَن مِنْ شأْن البَغِيِّ أَن تُومِضَ بِعَيْنِهَا وَحَاجِبِهَا؛ وأَنشد:
يُومِضْنَ بالأَعْيُنِ والحواجِبِ، ... إِيماضَ بَرْقٍ فِي عَماءٍ ناصِبِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ عِنْدِي الصَّوَابُ، وَسُئِلَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى عَنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنه نَهَى عَنِ كَسْبِ الزَّمَّارَة فَقَالَ: الْحَرْفُ الصَّحِيحُ رَمَّازَةٌ، وزَمَّارَةٌ هَاهُنَا خطأٌ. والزَّمَّارَةُ: البَغِيُّ الْحَسْنَاءُ، والزَّمِيرُ: الْغُلَامُ الْجَمِيلُ، وإِنما كَانَ الزِّنَا مَعَ الْمِلَاحِ لَا مَعَ الْقِبَاحِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لِلزَّمَّارَةِ فِي تَفْسِيرِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَجْهَانِ: أَحدهما أَن يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ كَسْبِ الْمُغَنِّيَةِ، كَمَا رَوَى أَبو حَاتِمٍ عَنِ الأَصمعي، أَو يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ كَسْبِ البَغِيِّ كَمَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ وأَحمد بْنُ يَحْيَى؛ وإِذا رَوَى الثِّقَاتُ لِلْحَدِيثِ تَفْسِيرًا لَهُ مَخْرَجٌ لَمْ يَجُزْ أَن يُرَدَّ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ نَطْلُبُ لَهُ المخارجَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، أَلا تَرَى أَن أَبا عُبَيْدٍ وأَبا الْعَبَّاسِ لَمَّا وَجَدَا لِمَا قَالَ الحجاجُ وَجْهًا فِي اللُّغَةِ لَمْ يَعْدُواهُ؟ وَعَجَّلَ القتيبي ولم يثبت فَفَسَّرَ الْحَرْفَ عَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ فَعَل فِعل أَبي عُبَيْدٍ وأَبي الْعَبَّاسِ كَانَ أَولى بِهِ، قَالَ: فإِياك والإِسراع إِلى تَخْطِئَةِ الرُّؤَسَاءِ وَنِسْبَتِهِمْ إِلى التَّصْحِيفِ وتأَنَّ فِي مِثْلِ هَذَا غَايَةَ التَّأَنِّي، فإِني قَدْ عَثَرْتُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ رَوَاهَا الثِّقَاتُ فغيَّرها مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ. وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ قَالَ: تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنها الزَّانِيَةُ، قَالَ: وَلَمْ أَسمع هَذَا الْحَرْفَ إِلَّا فِيهِ، قَالَ: وَلَا أَدري مِنْ أَي شَيْءٍ أُخذ، قَالَ الأَزهري: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ أَراد الْمُغَنِّيَةَ. يُقَالُ: غِنَاءٌ زَمِيرٌ أَي حَسَنٌ. وزَمَرَ إِذا غَنَّى وَالْقَصَبَةُ الَّتِي يُزْمَرُ بِهَا: زَمَّارَةٌ. والزَّمِرُ: الحَسَنُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وأَنشد:
دَنَّانِ حَنَّانانِ، بَيْنَهُمَا ... رَجُلٌ أَجَشُّ، غِناؤُه زَمِرُ
أَي غِنَاؤُهُ حَسُنَ. والزَّمِيرُ: الْحَسَنِ مِنَ الرِّجَالِ. والزَّوْمَرُ: الْغُلَامُ الْجَمِيلُ الْوَجْهِ. وزَمَرَ القربَةَ يَزْمُرُهَا زَمْراً وزَنَرَها: ملأَها؛ هَذِهِ عن كراع واللحياني. وَشَاةٌ زَمِرَةٌ: قَلِيلَةُ الصُّوفِ. والزَّمِرُ: الْقَلِيلُ الشَّعَرِ وَالصُّوفِ وَالرِّيشِ، وَقَدْ زَمِرَ زَمَراً. وَرَجُلٌ زَمِرٌ: قَلِيلُ المُروءَةِ بَيِّنُ الزَّمَارَة والزُّمُورَةِ أَي قَلِيلُهَا، والمُسْتَزْمِرُ: المُنْقَبِضُ الْمُتَصَاغِرُ؛ قَالَ: