وَفْدَ ثَقِيف اشْتَرَطُوا أَن لَا يُحشَرُوا وَلَا يُعْشَروا وَلَا يُجَبُّوا
؛ أَي لَا يُؤْخَذُ عُشْرُ أَموالهم، وَقِيلَ: أَرادوا بِهِ الصدقةَ الْوَاجِبَةَ، وإِنما فَسَّح لَهُمْ فِي تَرْكِهَا لأَنها لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِمْ، إِنما تَجِب بِتَمَامِ الحَوْل. وَسُئِلَ جابرٌ عَنِ اشْتِرَاطِ ثَقِيف: أَن لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا جهادَ، فَقَالَ: عَلِم أَنهم سَيُصدِّقون ويُجاهدون إِذا أَسلموا، وأَما حَدِيثِ
بَشِيرِ بْنِ الْخَصَّاصِيَّةِ حِينَ ذَكر لَهُ شَرَائِعَ الإِسلام فَقَالَ: أَما اثْنَانِ مِنْهَا فَلَا أُطِيقُهما: أَما الصدقةُ فإِنما لِي ذَوْدٌ هُنَّ رِسْلُ أَهلي وحَمولتُهم، وأَما الْجِهَادُ فأَخافُ إِذا حَضَرْتُ خَشَعَتْ نفسِي، فكَفَّ يَدَهُ وَقَالَ: لَا صدقةَ وَلَا جهادَ فبِمَ تدخلُ الْجَنَّةَ؟
فَلَمْ يَحْتَمِل لِبَشِيرٍ مَا احْتَمَلَ لِثَقِيفٍ؛ ويُشْبِه أَن يَكُونَ إِنما لَمْ يَسْمَعْ لَهُ لعِلْمِه أَنه يَقْبَل إِذا قِيلَ لَهُ، وثَقِيفٌ كَانَتْ لَا تَقْبَلُهُ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاحِدٌ وَهُمْ جَمَاعَةٌ، فأَراد أَن يتأَلَّفَهم ويُدَرِّجَهم عَلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
النِّسَاءِ لَا يُعشَرْنَ وَلَا يُحْشَرْن
: أَي لَا يُؤْخَذُ عُشْرُ أَموالهن، وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ العُشْرُ مِنْ حَلْيِهِنّ وإِلا فَلَا يُؤخذ عُشْرُ أَموالهن وَلَا أَموالِ الرِّجَالِ. والعِشْرُ: وِرْدُ الإِبل اليومَ العاشرَ. وَفِي حِسَابِهِمْ: العِشْر التَّاسِعُ فإِذا جَاوَزُوهَا بِمِثْلِهَا فظِمْؤُها عِشْران، والإِبل فِي كُلِّ ذَلِكَ عَواشِرُ أَي تَرِدُ الْمَاءَ عِشْراً، وَكَذَلِكَ الثَّوَامِنُ وَالسَّوَابِعُ وَالْخَوَامِسُ. قَالَ الأَصمعي: إِذا وَرَدَتِ الإِبل كلَّ يَوْمٍ قِيلَ قَدْ وَرَدَتْ رِفْهاً، فَإِذَا وَرَدَتْ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، قِيلَ: وَرَدَتْ غِبًّا، فإِذا ارْتَفَعَتْ عَنِ الغِبّ فَالظِّمْءُ الرِّبْعُ، وَلَيْسَ فِي الْوِرْدِ ثِلْث ثُمَّ الخِمْس إِلى العِشْر، فإِذا زَادَتْ فَلَيْسَ لَهَا تَسْمِيَةُ وِرْد، وَلَكِنْ يُقَالُ: هِيَ تَرِدُ عِشْراً وغِبّاً وعِشْراً ورِبْعاً إِلى العِشرَين، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: ظِمْؤُها عِشْرانِ، فإِذا جَاوَزَتِ العِشْرَيْنِ فَهِيَ جَوازِئُ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذا زَادَتْ عَلَى العَشَرة قَالُوا: زِدْنا رِفْهاً بَعْدَ عِشْرٍ. قَالَ اللَّيْثُ: قُلْتُ لِلْخَلِيلِ مَا مَعْنَى العِشْرِين؟ قَالَ: جَمَاعَةُ عِشْر، قُلْتُ: فالعِشْرُ كَمْ يَكُونُ؟ قَالَ: تِسعةُ أَيام، قُلْتُ: فعِشْرون لَيْسَ بِتَمَامٍ إِنما هُوَ عِشْران وَيَوْمَانِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنَ العِشْر الثَّالِثِ يَوْمَانِ جَمَعْتُهُ بالعِشْرين، قُلْتُ: وإِن لَمْ يَسْتَوْعِبِ الْجُزْءَ الثَّالِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَلا تَرَى قَوْلَ أَبي حَنِيفَةَ: إِذا طَلَّقها تَطْلِيقَتَيْنِ وعُشْرَ تَطْلِيقَةٍ فإِنه يَجْعَلُهَا ثَلَاثًا وإِنما مِنَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فِيهِ جُزْءٌ، فالعِشْرون هَذَا قِيَاسُهُ، قُلْتُ: لَا يُشْبِهُ العِشْرُ «٤». التطليقةَ لأَن بَعْضَ التَّطْلِيقَةِ تَطْلِيقَةٌ تَامَّةٌ، وَلَا يَكُونُ بَعْضُ العِشْرِ عِشْراً كَامِلًا، أَلا تَرَى أَنه لَوْ قَالَ لامرأَته أَنت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَو جُزْءًا مِنْ مِائَةِ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ تَطْلِيقَةً تَامَّةً، وَلَا يَكُونُ نِصْفُ العِشْر وثُلُث العِشْرِ عِشْراً كَامِلًا؟ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والعِشْرُ مَا بَيْنَ الوِرْدَين، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَيام لأَنها تَرِدُ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ، وَكَذَلِكَ الأَظْماء، كُلُّهَا بِالْكَسْرِ، وَلَيْسَ لَهَا بَعْدَ العِشْر اسْمٌ إِلا فِي العِشْرَينِ، فإِذا وَرَدَتْ يَوْمَ العِشْرِين قِيلَ: ظِمْؤُها عِشْرانِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَر يَوْمًا، فإِذا جَاوَزَتِ العِشْرَينِ فَلَيْسَ لَهَا تَسْمِيَةٌ، وَهِيَ جَوازِئُ. وأَعْشَرَ الرجلُ إِذا وَرَدت إِبلُه عِشْراً، وَهَذِهِ إِبل عَواشِرُ. وَيُقَالُ: أَعْشَرْنا مُذْ لَمْ نَلْتقِ أَي أَتى عَلَيْنَا عَشْرُ لَيَالٍ. وعَواشِرُ الْقُرْآنِ: الآيُ الَّتِي يَتِمُّ بِهَا العَشْرُ. والعاشِرةُ: حَلْقةُ التَّعْشِير مِنْ عَواشِر الْمُصْحَفِ، وهي لفظة مولَّدة.
(٤). قوله: قُلْتُ لَا يُشْبِهُ الْعِشْرُ إلخ نقل شارح القاموس عن شيخه أن الصحيح أن القياس لا يدخل اللغة وما ذكره الخليل ليس إلا لمجرد البيان والإيضاح لا للقياس حتى يرد ما فهمه الليث